قبل يومين ركبت القطار على طنطا ذهابًا وعودة، فى محطة مصر برمسيس، رأيت حركة العمل مستمرة، كنت فى المحطة قبل نصف ساعة تقريبا من موعد انطلاق القطار صباحا، حركة مستمرة فى المحطة، مشهد رأيته مئات المرات فقد اعتدت السفر إلى الإسكندرية وطنطا بالقطار طوال سنوات ومازلت، لكنها المرة الأولى بعد تولى المهندس كامل الوزير مهمته، بعد حادث المحطة.
شاهدت حركة وعمل كل واحد فى مكانه، المفتشون على مداخل الأرصفة، عملية تجديد الأسقف التى احترقت، إزالة العديد من الإشغالات مع بقاء الأكشاك المصرح لها، عادت سيارات الجولف الكهربائية للعمل فى نقل كبار السن وذوى الاحتياجات الخاصة.
فيما يتعلق بالمواعيد، فقد كان من حسن حظى أن القطار تحرك فى موعده من القاهرة ووصل إلى طنطا فى موعده، ونفس الأمر فى العودة، سمعت أن هناك بعض المواعيد تأخرت وشكا الركاب للوزير فى جولته، هناك حركة ونظام أكثر بعد الزيارات المستمرة لوزير النقل المهندس كامل الوزير، يذكرنا بحال المحطة قبل أكثر من ثلاثين عاما، وبالطبع تغير الزمن وحدثت عملية تدهور متدرج انتهت بالسكة الحديد إلى هذا الحال من الإهمال والحوادث والتسيب.
هناك رهان على أن تستعيد السكة الحديد شبابها، مع الأخذ فى الاعتبار ان الوصول إلى هذا الحال يمثل تراكما لعقود من الإهمال، بالرغم من إنفاق مليارات فى أعقاب كل حادث، لكنها ظلت ترقيعات، فى ظل شيوع حالة من التسيب والإهمال وتفكك نظام الإدارة، والأمر لم يتوقف على القطارات، لكنه امتد إلى كل مجال من المجالات.
واضح دور الوزير وزياراته، وهناك رهان على وضع نظام عمل دائم لا يرتبط بالوزير، وإنما يعيد للهيئة ماكانت عليه، فقد بقيت القطارات طوال عقود هى الوسيلة الأسرع والأرخص، والأنظف للطلاب والموظفين وأغلبية المصريين، وكنا ننقل الأثاث والكتب إلى حيث ندرس فى قطار البضاعة، ونعود بها فى النهاية وبتكلفة بسيطة، وكانت مفيدة جدا لطلاب الصعيد وبحرى على حد سواء، وقد نقلت سريرا ودولابا وكميات من الكتب ذهابا وعودة طوال سنوات.
ومع الوقت تدهورت أحوال القطارات، وتوقفت قطارات البضاعة، التى يمكن أن تكون أحد مصادر الدخل الكبيرة لللهيئة، ويمكن فى حال تخصيص خط يومى لقطار البضاعة أن يفيد الصناعة ونقل البضائع والسلع، خاصة فى زمن تسود فيه عمليات التسويق الإلكترونى، حيث يمكن أن يوفر القطار وسيلة نقل رخيصة وسريعة وآمنة.
سافرت طوال سنوات فى الدرجة الثالثة، من طنطا للقاهرة أربع مرات فى الأسبوع للعمل والدراسة، كنت قد استخرجت اشتراكا ليقلل من تكاليف الانتقالات، وداخليا بأتوبيسات النقل العام، لم يخذلنى القطار مرة، كنت أسافر لدراسة اللغة الألمانية بمعهد جوته، واللغة الفرنسية فى المعهد الفرنسى، وغالبا كنت أصل قبل الموعد بمدة كافية، كان السفر بالقطار كله فوائد، قرأت عشرات الكتب والروايات.
وأشهد أن القطارات بالرغم من وجود تأخير أحيانا، لكنها كانت أفضل طرق النقل، وكان المحصلون والمفتشون والسائقون لهم هيبة ومظهر محترم فى «اليونيفورم الشهير»، احتفظت المحطات المختلفة بهيئتها لعقود، قبل ان تواجه اهمالا يسحبها مع القطارات إلى مرتبة أقل، بما يعنى أن الفشل ليس قدرا، وهناك بالفعل كثيرون يعملون باجتهاد، وخبرات كانت تخرج من عهد وردان تكفى للصيانة والمتابعة.
ما جرى فى القطارات هو ما جرى فى كثير من الخدمات، وربما تبدو عودة القطارات صعبة، لكنها ليست مستحيلة، لأنها لاتزال أفضل وسيلة نقل للمسافات البعيدة لعموم الناس، رأيت فى رحلة الذهاب والعودة حركة جادة، وأنتظر مع كثيرين أن تعود القطارات إلى حالها قريبا، هناك كفاءات وعاملون يقومون بدورهم، والنجاح أن تكون هناك منظومة تعمل باستمرار، فهى تخدم ملايين المواطنين يوميا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة