لا شك أن الأمومة تؤثر على حياة المرأة بشكل كبير، إلا أن هذا التأثير يصبح مختلفا حينما تكون هذه المرأة كاتبة ومبدعة، وخاضت تجربة الإبداع، قبل أن تصبح أما، ومن هنا فإن السؤال الذى يطرح نفسه، ونحن نحتفل بعيد الأم كيف أثرت الأمومة على الكاتبات؟ وهل يفكرن وهن يكتبن أعمالهن ما بين القصة والشعر والرواية، فى اليوم الذى سيقرأ فيه أطفالهن أعمالهن؟.
الكاتبة الكبيرة سلوى بكر قالت خلال حديثها مع "اليوم السابع" إن الأمومة لم تغير من مفهوم الكتابة لدى، إنما جعلتنى أتأمل أحوال النساء، اللاتى لا يلاحظهن أحد، ولا يتم استدعاؤهن إلى ساحات الكتابة، فالرجل الكاتب يكتب عن الحبيبة والزوجة والعشقية، لكنه قلما يكتب عن المرأة التى لا توجد لديه مصلحة معه.
سلوى بكر
سلوى بكر: جلعتنى أتأمل أحوال النساء العاديات
ورأت سلوى بكر أن تجربة الأمومة، خاصة فى الدول الفقيرة، تحمل الكثير من المعاناة، وتضعها على عاتق الأم، لأنها طوال الوقت ترى أن طفلها لا يملك من أمره شيئا، فهذه هى معاناة الأمومة، مضيفة: وهذه المعاناة هى التى دفعتنى للتفكير فى أحوال ملايين النساء اللاتى يعانين بسبب ظروف الحياة، ودور الأم، فكتبت قصصا تتعلق بهذا الموضوع، وهذا هو الدافع أو المتغير الأساسى الذى أحدثته الأمومة فى الكتابة.
سلوى بكر: لا أكتب لكى يقرأ أولادى أعمالى
وحول إذا ما كانت تفكر فى أن يقرأ أبناءها ما تكتبه، قالت سلوى بكر إننى لا أكتب لكى يقرأنى أولادى، أنا أكتب لقارئ مجهول، وحينما أكتب لا أفكر فى القارئ، فالرقابة لا تأتى من هذه المنطقة، بل تأتى من تعقيدات القيم والمفاهيم الماضوية، التى نحيا فيها، على الرغم من أننا نعيش فى العالم المعاصر.
أما الكاتبة الأردنية سميحة خريس، فتحدثت مع "اليوم السابع" عن علاقتها بوالدتها، وقالت: لا أجيد نظم الشعر فيها، كانت علاقتنا من جد ولعب حقيقى، تربية وصداقة، حزم وشدة وحنان، علاقة من طين لم أكتشف أصالتها إلا حين صرت أنا نفسى أماً، ولأن أبى كان يفسدنا بتساهله وصمته عن آثامنا الصغيرة، فقد بدت أمى حكماً قاسياً أمام فشلنا ونجاحنا، ولا شك شابت علاقتى بها تذبذبات تصيب علاقة كل بكر بأمها، ولكنى فجأة اكتشفت أنها تركت فى عقلى وقلبى جزءً أصيلاً منها، كأنى اليوم أرى العالم بناظريها".
سميحة خريس
سميحة خريس: أمى كانت تقرأ قصائدى الأولى وتفتخر بى
وتابعت سميحة خريس: أتذكر أنه فى الطفولة المبكرة كانت تضربنى على كتفى ضربات أشعر معها أن كرامتى أهينت، لكنها أيضاً كانت تقرأ قصائدى الأولى المهلهلة، وتقول بفخر هذه ابنتى، وكانت تخيط لى فستاناً بنفس الأقمشة التى تستخدمها لثيابها، كأنها تصنع على شاكلتها توأماً، تمردت على هذا الحب الخانق، وانفلتت فى الحياة بعيداً عن مشورتها، فلم تروع أو تكره، فرحت لفرحى وفخرت بنجاحى، ولا أظن أحداً حزن لحزنى مثلها، فهمت معظم مواقفها حين صرت أماً، واقتربت منها فى السنوات الأخيرة قبل رحيلها لأكتشف أننى فى أغلب ما كتبته كنت أغترف من بئر حكاياتها، وما زلت فى كل يوم من حياتى هى ماثلة، فى طعم لذيذ لطبق لم أتذوقه منذ رحلت ولكنه خيل إلى فى وجبة جديدة، فى موضة أحذية أنثوية تعود للظهور، فى أغنية كانت تدندن بها وهى تغسل ثيابنا، وفى الألوان التى لونت بها الحياة حين كانت تهب لكل أمر لوناً وموقعاً وسمة مصيبة إلى أبعد حد فى معظم الأحيان.
سميحة خريس: أتمنى لو عدت لأربى أبنائى كما ربتنى أمى
وقالت سميحة خريس فى أمومتى المبكرة، وكنت ما زلت فى مرحلة التمرد على معارفها، أردت تربية بناتى بصورة مغايرة، ربما أكثر انفتاحاً، وعدت الآن لأتمنى لو أنى سرت على دربها فقد كانت حصيلة لتجربة الأمومة عبر أزمنة طويلة، تعطى بفيض وتمسك بمعرفة، تقسو إلى حد وتلين إلى أبعد حد، هذه هى أمى.. ولعلها كل الأمهات.
الكاتبة العراقية إنعام كجه جى
إنعام كجه جى: لا يقرآن بالعربية ولهذا أفرح حينما تترجم أعمالى
أما الكاتبة العراقية إنعام كجه جى، فقالت لـ"اليوم السابع" عندى كلمتين، للأسف الولدين يتكلمان العربية باللهجة العراقية ولا يقرآن العربية ولا ما أكتب، هذه مرارة عمرى. لذلك أفرح حين يترجم كتاب لى إلى الفرنسية.
جنى فواز الحسن: الأمومة كنز يثرى تجربتى الإنسانية
وقالت الكاتبة اللبنانية جنى فواز الحسن، لا أستطيع أن أقول إن الأمومة غيرت من مفهوم الكتابة بالنسبة لى. عندما أكتب، أنفصل عن كل شىء عدا الكتابة وأى شىء يمكن أن يقيد حريتى من جهة أخرى، الأمومة كنز يثرى تجربتى الإنسانية وهو طبعاً يضيف إلى حياتى وإلى شخصيتى، والكتابة هى نوعاً ما خلاصة تجربة الكاتب الإنسانية، أو فيها جزء من هذه التجربة.
جنى فواز الحسن
جنى فواز الحسن: أكتب نصوصا لها علها تقرأها حينما تكبر
وأضافت جنى فواز الحسن: ربما تتأثر الكتابة بهذه التجربة، أكتب كثيراً نصوصاً طويلة لابنتى وأحتفظ بها لنفسى لأكتشف حين أقرأها لاحقاً أنها لذاتى أنا أيضاً، وأنوى أن أكتب نصاً طويلاً لأمى التى فقدتها وأنا صغيرة فى السن لما لتجربة الفقد هذه من أثر فى نفسى.
جنى فواز الحسن: يسعدنى أن تعرفنى كما أنا حينما تكبر
وبسؤالها حول إذا ما كانت تفكر فى أن تقرأ ابنتها ما تكتبه، قالت جنى فواز الحسن لا أفضل أن تقرأ ابنتى فى عمرها هذا ما أكتبه لأنها لا تزال صغيرة، لكن عندما تكبر أريدها أن تقرأ، لأن ذلك سيسعدنى ولأنى أريدها أن تعرفنى كما أنا. ولكن لا أفكر يوماً بأن الأمومة قيد أو بأنها تجعلنى أقل حرية، لأنى متصالحة مع ذاتى ومع أمومتى.
نورا ناجى
نورا ناجى: عملتى الولادة والكتابة متشابهتان للغاية
أما الكاتبة المصرية نورا ناجى، فقالت لـ"اليوم السابع": أعتقد أن الأمومة تجعل الكاتبة أكثر حساسية للعالم، لعلها تفهم العملية الإبداعية وما يصاحبها من ألم بشكل أفضل. يمكنك أن تلاحظ أن عملتى الولادة والكتابة متشابهتان للغاية، فى الكتابة أنت تحمل فكرة، تنمو داخلك حتى تخرجها على الورق، كتلة مشاعر ترى نضجها وتطورها ونموها. هذه العملية المحاكية فى الولادة الحقيقة تجعل الكاتبات يستمتعن أكثر. ويدركن أنهن أمام عمل سيظل مصاحباً لهن طوال العمر. كما أن الهرمونات الزائدة من مشاعر الأمومة غير المحدودة، تجعلهن أكثر استبطاناً لمشاعر الإنسان بشكل عام، وهذا هو سر الكتابة الحقيقى.
نورا ناجى: أتمنى أن تقرأ وتفهم ما أكتبه وتفخر بى
وبسؤالها حول إذا ما كانت تفكر فى أن تقرأ ابنتها ما تكتبه، قالت نورا ناجى، شخصياً أفكر فى ذلك وأتمناه، أريد لابنتى أن تفخر بى بالطبع، وأن تعرف أننى أديت ما علىّ، وأننى كنت مهمومة بالعالم الذى ستعيش هى فيه، أريدها أيضاً أن تفهم الرسائل المبطنة فيما أكتبه، وأن تتحلى بالتفاؤل والأمل فى أصعب اللحظات، لهذا أهدى إليها كل رواياتى.
الكاتبة مروة سمير
مروة سمير: الأمومة فتحت آفاقا جديدة للكاتبة وغذت مشاعرها بمشاعر أقوى
أما الكاتبة مروة سمير فرأت أن الأمومة لم تغير مفهوم الكتابة عند الكاتبة الأم، لكن أثرت فيها بالتأكيد، وفتحت آفاقا جديدة واهتمامات ومواضيع مختلفة للكتابة عنها، كما أنها غذت المشاعر بعاطفة أقوى، كأى تجربة مهمة يمر بها الإنسان وتؤثر به بعمق.
وأضافت مروة سمير وقبل أن أفكر إن كانت ابنتى ستقرأ ما أكتبه، أنا أحرص على أن يكون كل ما أكتبه أدب جيد لا أخجل من أن يقرأه أى شخص، وعندما تود ابنتى أو ابنى قراءة أعمالى فى أى وقت سأكون سعيدة بذلك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة