قبل زمن الكتابة بالقلم والتمثيل على الشاشة، عرفت الفنون قيمة النظرة قديمًا مصدرًا للحياة فى «عين المياه»، وتغزلوا فيها تقربًا للحبيبات: إن العيون التى فى طرفها حور.. وحدها عيون أحمد زكى فعلت فينا كل هذا على الشاشة وأكثر.
فى آخر ظهور عام له قبل رحيله فى 27 مارس 2015 ، كان جسده يعاند بشدة، يهتز ويقاوم السقوط من إرهاق المعارك الخاسرة مع المرض، لكن عيناه كانت تلمعان مرة بالدموع ومرة فرحًا بموجة التصفيق التى استمرت دقائق كاملة لتناسب طلته الأسطورية التى يشاهدها بعضنا لأول مرة: أسطورة تمشى على الأرض وروح قلقة يصعب الإمساك بها، وإبداع متدفق لا ينقطع، لكن من منا يستطيع أن يهزم الزمن حين يقرر والعمر حين ينصاع وينقضى.
بلا تعقيدات فلسفية، عبرت نظرة أحمد زكى عن كل تركيبة قدمها أمام الكاميرا لدرجة تجعلك مرتبكًا فى تعلقك بالشخصية، حيث لا يوجد هنا شخص اسمه أحمد زكى: نحن نعرف فقط أحمد سبع الليل بنظرته الساذجة فى البرىء، وعبد السميع اللئيم فى البيه البواب، ونظرة الشر الكامن خلف طموح أحمد أبوكامل فى شادر السمك، و«منتصر» الغاضب إلى الأبد فى فيلم الهروب، تلك النظرة التى صنعت تعاطفًا مع البطل الهارب طوال الفيلم، ونحن نعلم أين ستكون نهايته، وكأنها نبوءة تقول إن هذا المبدع وكل هذه النظرات سيأتى علينا يومًا ونفتقدها فى ذكرى رحيل الفتى الأسمر.