ضجة وجدل وحوارات وشكاوى واستغاثات وبلاغات فى أقسام الشرطة بعد التجربة الأولية لامتحانات الصف الأول الثانوى على التابلت، لماذا؟ لأننا نتربص بمحاولات التغيير للأفضل، حتى لو كان الواقع سيئا ولا نكف عن الشكوى منه! هل هذا التصرف الجماعى جزء من شخصيتنا المصرية التى تريد تثبيت الأوضاع على ما هى عليه وتحلم بالعصا السحرية التى تغير الواقع أثناء الليل ونحن نائمون دون أن نشعر بشىء أو نبذل مجهوداً؟
لابد أن نتغير، ولن نتغير قبل أن نغير الصفات السلبية فى أنفسنا، وأولها اليقين بعدم وجود نجاح دون جهد ومشقة وتعب، وأن الله لا يفرق بين المؤمن والكافر فى الرزق، لأن الأمر مرهون بالكدح والعمل، وبقدر عملنا وإتقاننا هذا العمل والإخلاص فيه والطوح لتطويره بقدر ما تنفتح أمامنا أبواب الرزق والتطور والتقدم، سواء على المستوى الفردى أو على المستوى العام.
طارق شوقى وزير التعليم لا يستحق هذا الهجوم غير المبرر من أولياء الأمور أو عناصر المافيا المستفيدة من بقاء أوضاع التعليم على ما هى عليه من تأخر وفساد، فهو أول وزير يحمل على عاتقه حلم إصلاح المنظومة التعليمية فى مصر منذ عقود طويلة، تنفيذا لسياسة عامة فى الدولة، وبرنامج موضوع من مختلف الجهات المعنية بالتعليم باعتباره مفتاح أى تطور والبداية الحقيقية للتنمية المستدامة.
وزير التربية والتعليم استغرق وقتا طويلا فى شرح أهداف المنظومة الجديدة، ومازال يبذل جهدا كبيرا مع قيادات الوزارة من ناحية ومع أولياء الأمور من ناحية أخرى ومع أعضاء البرلمان وفى وسائل الإعلام، وفى كل اتجاه، استفاض الوزير بالشرح المبسط والمنطقى والمرتب لمخاطبة عقولنا بمجموعة من الأسئلة المبدئية: هل أنتم راضون عن مستوى التعليم الحالى؟ وإذا كانت الإجابة بالنفى، فهل من المنطقى أن نظل نستهلك نظاما تعليميا فاشلا أو لا يؤدى الغرض؟ وإذا كان النظام التعليمى فاشلا ولا يلبى احتياجاتنا هل لديكم نظام بديل؟ بالطبع لا، فالنظام البديل لابد وأن تنتجه الدولة وأن تعممه الدولة، وأن تضمن الدولة فاعليته وقدرته على إحداث الفارق.
وبالفعل، قدم وزير التربية والتعليم بالمشاركة مع الجهات المعنية فى الدولة منظومة متكاملة تبدأ من نقطتين واضحتين للإصلاح، الأولى مع الجيل الجديد الذى يتلمس طريقه للتعليم فى رياض الأطفال والنقطة الثانية مع بداية المرحلة الثانوية، وهدف هذه المنظومة هو الإصلاح الفورى وحصار الأضرار التى لحقت بالطلاب الحاليين فى مراحل التعليم الأساسى، وإذا كانت نقطة الإصلاح الأولى مفهومة بالنسبة لعموم المصريين، فإن النقطة الثانية وهى البداية الجديدة مع طلاب الصف الأول الثانوى بدت غامضة لدى البعض، رغم الاستفاضة فى الشرح والتفسير بأن كل الطلاب الموجودين بالتعليم الأساسى حاليا سيمرون بعملية الإصلاح وتعديل المسار.
النقطة الجوهرية التى أفاض وزير التعليم فى شرحها، أننا نجرب نظاما جديدا ينقل التعليم من الحفظ والتلقين إلى الفهم والابتكار، ومن الكتاب الورقى والملازم والكتب الخارجية والسناتر ومافيا الدروس الخصوصية إلى التابلت والانفتاح على عال المعرفة وبنوكها المعلوماتية، وأن الامتحانات فى المراحل الأولى تجريبية إلى أن يستقر النظاما تقنيا ويستوعبه الطلاب تماما، وأن هذا النظام يراعى مصلحة ومستقبل أبنائنا وبالتالى لن يعرضها الآن أو مستقبلا للخطر، ولن يحاسبهم على التعثر أو عدم القدرة على حل الامتحانات طالما لم يستقر النظام ثقنيا، فلماذا نحن خائفون ومرتبكون ونثير الضجيج ونشكو نستغيث ونحررالمحاضر فى أقسام الشرطة؟!
لماذا نغفل أننا عموم المواطنين أول المستفيدين من المنظومة الجديدة؟! ولماذا لا نلتف جميعا حولها ونساندها بما نستطيع؟! فإذا كنا ننفق معظم ميزانية الأسرة على الدروس الخصوصية ومصروفات المدارس والكتب الخارجية، بينما نستطيع توفير هذه الميزانية المرهقة بالاستجابة والدعم للتغيير، وتخيلوا لو امتلكنا الثقة والشجاعة لنزرع فى أبنائنا مقاومة الدروس الخصوصية والاستجابة للتغيير بالاجتهاد، ثم خصصنا 10% فقط من ميزانية الدروس الخصوصية لدعم الحكومة للإسراع بنشر التغيير، بالتأكيد سيكون الناتج فى صالحنا، لأن هذا المشروع الجديد لا يخص طارق شوقى وزير التعليم الحالى بقدر ما يخصنا نحن وأبناءنا، وسيغادر طارق شوقى الوزارة بعد سنة أو اثنين أو خمسة، لكن المشروع الجديد سيستمر، وعلينا أن ننتفع منه بأفضل صورة ممكنة، ولكن علينا أن نؤمن به أولا، وأن نواجه العناصر الفاسدة والفاشلة للمنظومة التعليمية القديمة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة