هناك دروس تقدمها قصة فخ خبر «المرحوم الوزيرالوهمى». وهذه الدروس للصحفيين أولا، وأيضا لكثير من الرواد الكبار على مواقع التواصل. ولا أحد منا يمكن أن يزايد على غيره، ويزعم أنه وحده الناجى من هذا الفخ. ونظن أنه لا يوجد أحد من مستخدمى التواصل نجا مرة أو مرات من الحيرة أمام أخبار أو تقارير من هذه النوعية.
ما كشفه خالد وجيه عن وقوع عدد من الصحفيين والمعدين فى خطأ نشر الاسم المخترع لوزير النقل المرشح، واتضح أنه غير موجود، واخترعه خالد، ونقله زملاء قدم كل منهم نفسه باعتباره صاحب سبق. والموضوع كله خدعة وطعم ابتلعه محترفو استهلاك ما يتداول على «السوشيال ميديا» من دون تفكير.
والواقع أن هذه القصة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة فيما يتعلق بتداول ونشر الشائعات، ولدينا يوميًا مئات المعلومات والأرقام والتقارير التى تخلو من المنطق، ومع هذا تجد من يصدقها ويعيد نشرها، بعض هذه الشائعات تطلقها جهات عمدًا، ضمن حرب معروفة، والبعض الآخر يتضمن معلومات وأخبار طبية وعلمية خاطئة وبعضها خطير على الصحة والعقل.
قصة اختيار الوزير الوهمى المهندس محمد وجيه عبد العزيز، وزيرًا للنقل والمواصلات، تمثل إدانة لكل من يستسهل، أو يستهبل، وأولهم كل من نشر من دون اتباع القواعد المهنية الطبيعية، ومثلما هى إدانة للصحفيين، فهى أيضًا إدانة لكل من ينقل أو يعيد نشر وألا تتحول إلى مجرد موضوع على مواقع التواصل وكل من ينشر الخبر وينسبه إلى مصادره الخاصة، التى هى فى الأصل غير موجودة.. وبجانب الصحفيين هناك عدد كبير من مستخدمى التواصل تورطوا فى إعادة نشر الخبر عن الوزير الوهمى، ومنهم أشخاص متعلمون ومثقفون، وبعضهم دائمًا ما يصدرون شعورا بأنه من «عمقاء العارفين» وبعضهم سارع بالهجوم والإدانة مع أن آثار الخطأ على صفحاتهم، أو سارعوا بالحذف بعد أن ظهرت اللعبة، وانضموا لجماعات الهجوم والانتقاد. القصة كشفت عن حالة خواء معلوماتى لدى كثيرين عاشوا دومًا دور «المطلع على الكوامن»، وهو مجرد مستخدم عادى مثل كثيرين.
وربما تكون ظاهرة الشائعات تضاعفت مع السوشيال ميديا، لكنها كانت دائمًا موجودة فى الصحافة، ومن يريد يمكنه مراجعة الصحف فى الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، ليرى كيف كانت التعديلات الوزارية ترافقها على مدى أيام عمليات نشر وتوقعات لا تخلو من اختراعات وشائعات، بل كان هناك مشتاقون يرشحون أنفسهم ويتصلون بالصحف لطرح أسمائهم. وبالتالى فإن مواقع التواصل ضاعفت من حجم الشائعات ولم تخترعها.
قصة الوزير الوهمى جددت جدلًا سفسطائيًا، بين من يهاجمون مواقع التواصل باعتبارها شرًا، وبين من يدافعون عنها باعتبارها خيرات. والواقع أن أدوات التواصل هى وسائل لها ميزاتها وعيوبها وهى واقع لايمكن إلغاؤه أو إغلاقه، والدليل أن قصة الوزير الوهمى فجرها مستخدم تويترى على مواقع التواصل. ومثلما كشف خالد وجيه عن صناعة الشائعات وعيوب مواقع التواصل، فقد كان أحد الذين عانوا من الشائعات، ولهذا استخدم نفس أدوات التواصل فى الكشف على طريقة «وداونى بالتى كانت سوشيال ميديا». ونفذ ذلك بوعى كاشف.
ثم أن أدوات التواصل هى فى النهاية انعكاس للواقع، تضم طيبين وأشرارًا صادقين وكاذبين، عقلاء ومرضى نفسيين، أبرياء ونصابين، وخبراء ومدعين، هناك من ينشر الكتب والأفلام والموسيقى والقصص الإنسانية والأدعية والنصائح، ومن ينشر الكلام الفارغ والإباحى والخارج. وفى النهاية فإن الوعى هو الأمر الفاصل فى الموضوع. ولهذا يفترض أن يتعامل الجميع بتواضع ويحاولون استيعاب الدرس، من دون ادعاء أو تعال.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة