شهدت مدينة الأربعة آلاف مصنع فى العاشر من رمضان بمحافظة الشرقية، انطلاق مارثون من نوع خاص وهو مارثون التجارة مع الله، بعد أن أصبح فعل الخير مشروطا بفئة معينة، دون غيرها، وسط كل هؤلاء خرج شخص دون الإعلان عن اسمه ووضع ثلاجة الخير بالموقف الرئيسى فى ميدان الأردنية، اشهر ميادين العاشر من رمضان، لإطعام عابرى السبيل والفقراء الذين يمرون ذهابا وإيابا من وإلى العاشر من رمضان.
فى بداية الأمر حين وضعت الثلاجة اجتهد بعض مريدى الفيس بوك فى التكهن بشخصية فاعل الخير الذى وضعها، وكأن فعل الخير فى العاشر من رمضان بات قاصرا على ناس بعينهم، الذين يستهدفون مواقع التواصل الاجتماعى لعمل شو بالصور بأعراض متعددة منها ما هو شخصى ومنها ما هو عام.
أصبح حدث تواجد ثلاجة الخير فى مدينة العاشر من رمضان حديث الساعة لأهالى المدينة الذين يرفضون الخير المشروط، وأقبل على الثلاجة التى وضعت كعهدة مع أحد محلات الكشرى لتوصيل الكهرباء لها وحراستها من السرقة، ودأبت بعض السيدات على مد الثلاجة ببعض الوجبات الجاهزة، أو بعض المأكولات.
فيما اصطحب بعض الاخصائيين الاجتماعيين فى إحدى المدارس بالعاشر من رمضان فريقا من المدرسة لشراء بعض المواد الغذائية من السوبر ماركت المجاور لموقع الثلاجة وجلس الأطفال يعدون الوجبات بنفسهم ويغلفوها ثم وضعوها فى الثلاجة لغرس قيمة العمل الخيرى لدى الأطفال، وهو الأمر غير البعيد على هذا الأخصائى الذى كان ضمن فريق وزارة التضامن لمبادرة حياة كريمة، وكرمته وزيرة التضامن ضمن فريق عمل شباب الخير بالمبادرة.
ومنذ أن وضعت الثلاجة فى موقف الاردنية بدء موظفو شركة بجانب الثلاجة، فى حراسة الثلاجة ومدها بالغذاء وإرشاد عابرى السبيل لها، حتى انتشر الأمر بين كل المترددين على الموقف، وساهم بعض تجار الخضار والفواكه فى مد الثلاجة ببعض الخضروات والفواكه، وحتى السوبر ماركت لم يفوت يوما فى مد الثلاجة بعلب الزبادى وبعض الجبن.
إلى هنا كان الأمر أشبه بسيمفونية متناغمة تشارك فيها الجميع دون اتفاق، حتى تحول الأمر إلى كابوس، بعد أن قرر بعض عمال السوق وأصحاب للسيارات النقل فى مهاجمة الثلاجة وتفريغها من محتويتها، وطرد أى غلبان يمد يده على الأكل من أمامها، واقتحام الثلاجة والسطو على ما بداخلها، حتى انتفض بعض التجار لمنعهم وإبعادهم بعيدا عن الثلاجة، فإذا بهم يكسرون بابها، فقام حارس الثلاجة المجاور لها ويعمل بمحل الكشرى وعمل قفل الثلاجة والسماح لمن يراه هو فى حاجة المساعدة طبقا لرؤيته وثقافته.
"اليوم السابع" كان متابعا يوميا لتفاصيل ما يحدث فى مارثون التجارة مع الله فى ثلاجة الخير، والتقى العديد من أطراف حكاية ثقافة العمل الخيرى، وعلاقة الخير المشاع وكيف يحتاج للناس لتكريس ثقافة أن يعطى دون شرط وأن يأخذ فقط عندما يحتاج، وهذا ما أكده الجميع فى هذه الفيديوهات.
بالقرب من الثلاجة ترى المشاهد المتفاوتة، فحين ترى سيدة متجولة تسأل المارين المساعدة لتشترى أكل لأطفالها، وتخبرها إحدى السيدات على مكان الثلاجة فتقترب منها على استحياء وكأنها غير مصدقة أن هناك أكل ببلاش فتستأذن أن تأخذ القليل منه وترحل، نفس المشهد مع اختلاف اشترك فيه المتسولون المقيمون داخل محطة الاتوبيس والذين يجعلون من المحطة وكرا لهم يتبادلون فيه الحديث الخارج وشرب البانجو، فتراهم يسطون على الثلاجة ليأكلوا من الوجبات الفراخ واللحوم ويلقون بباقى الوجبة جانب الرصيف.
بالقرب من الثلاجة ايضا ستجد المسن أو المسنة الذى يخرج باحثا عن شخص يعطيه مما أعطاه الله فيناديه حارس الثلاجة ويعطيه الزبادى وبعض ثمار الفاكهة، لكن ما يستلزم حقا هو هذا السائق على سيارة النقل الذى يحمل تليفون تاتش ويتقاول على النقلات، حين تراه مقتربا من تلاجة الخير ليوفر ثمن الاكل للكيف وتسمع بأذنك حارس الثلاجة وهو ينهره للبعد عن الثلاجة، قائلا:"عيب عليك سيبها المحتاج"، فلا يخجل ويمد يده لأخذ ما يحلو له.
فى مدينة العاشر من رمضان كانت هذه حكاية مارثون التجارة مع الله التى أفسدها الأوصياء على ثلاجة الخير وعدم الوعى لدى البسطاء الذين استباحوا ما بداخلها، وبعد وضع القفل وإغلاقها، على من يقترب منها أن يتحلى بالمواصفات التى يراها حارس الثلاجة مقنعة لاحتياجه حتى لو كان يرتدى ملابس جيدة، فقط عليه أن يطلب الخير من حارس الخير ويظل الخير مشروط بقيم ومواصفات وتفاصيل هى بعيدة كل البعد عن مفهوم الخير فمال الله لله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة