"استيقظت مدينة باريس على قرع الأجراس" هكذا يبدأ الكاتب الفرنسى الشهير فيكتور هوجو روايته الشهيرة "أحدب نوتردام"، وأمس عاشت فرنسا والعالم ليلة حزينة بعد اندلاع حريق كبير فى واحدة من أبرز التحف الأثرية فى العالم، وهى كاتدرائية نوتردام الشهيرة، وظل الجميع شاخصين أمام ألسنة النيران التى التهمت السقف التاريخى، قبل أن يسقط بما عليه من أبراج وتماثيل ووحوش خرافية.
تقع كاتدرائية نوتردام دو بارى التاريخية فى قلب العاصمة الفرنسية باريس، على نهر السين، وهى إيبارشية بدأ تشييدها قبل 850 عاما، فى مكان بناء أول كنيسة مسيحية فى باريس، وهى "بازيليك القديس استيفان" التى كانت بدورها مبنية على أنقاض معبد جوبيتير الجالو - رومانى.
والنسخة الأولى من نوتردام كانت كنيسة بديعة بناها الملك شيلدبرت الأول وذلك عام 528م، وأصبحت كاتدرائية مدينة باريس فى القرن العاشر بشكلها القوطى، وكانت قبة الكنيسة ترتفع إلى 33 متراً.
وعن مراحل بناء الكنيسة بدأت فى عام 1160 ميلادية بأمر موريس دو سولى (يسمى أسقف باريس) بهدم الكنيسة الأصلية، وفى عام 1163 ميلادية وضع حجر الأساس لنوتردام دى باريس وبدأ البناء، وفى عام 1196 وفاة الأسقف موريس دى سولى، وفى عام 1200 بدأ العمل على الواجهة الغربية، وفى عام 1208 وفاة الأسقف أوديس دى سولى وكان الصحن على وشك الانتهاء، وفى عام 1225 أُنجزت الواجهة الغربية، وفى عام 1250 استتكملت الأبراج الغربية والشمالية والنافذة الموردة، وفى عام 1245–1260 تم بناء أجنحة الكنيسة على طراز "رايونانت" بجان دى ثم بيير دى مونروى، وفى عام 1250 – 1345 تم استكمال العناصر المتبقية.
وارتبطت الكنيسة تاريخيا برائعة فيكتور هوجو "أحدب نوتردام" وهى الرواية التى نشرت عام 1831م، وتدور أحداثها الرئيسية داخل الكنيسة، حول طفل أحدب يُدعى "كوازيمودو" لقيط قبيح المظهر يربيه القس فى كنيسة نوتردام ويُدعى "الدوم كلود فرولو" الذى يدربه ليكون قارع الأجراس فى الكنيسة ذاتها، وقد نجح الكاتب الكبير فيكتور هوجو فى تقديم شخصية تحمل صفات خيالية تمتزج بمظهر خارجى قبيح وصفات داخلية حسنة فى أواخر العصور الوسطى فى باريس يتم اختيار كوازيمودو ليكون زعيم المهرجين فى احتفال سنوى يسمى "احتفال المهرجين" وهذا ما لم يرده سيده، حيث أراده أن يقضى بقية عمره فى الكنيسة وألا يظهر أمام الناس بسبب مظهره السيئ ولكى لا يرعب الناس، كانت الفتاة الغجرية أزميرالدا من الشخصيات المهمة فى احتفال المهرجين واكتسبت إعجاب الناس برقصها وتغرى ملاحقيها ومنهم فرولو.
ويقال إن فضل الرواية على الكنيسة كان كبيرا، بل إنها منعتها من السقوط قديما، فعندما نشر هوجو روايته كانت الكاتدرائية فى أسوأ أحوالها، حيث كانت متهالكة وتؤول للسقوط، وعند نجاح الرواية وانتشارها تمت الموافقة على ترميمها.
ومن الجوانب المثيرة فى تاريخ الكنيسة ما يتعلق بالألغاز والأسرار، وقد قدمت قناة فرانس 24 تقريرا عن هذا الأمر فيه "أن الأسرار والألغاز أحاطت بالكنيسة منذ زمن بناء الكاتدرائية، ففى ورشة البناء الهائلة كان هناك صانع أقفال اسمه "ديسكورنيه"، وقد أنجز الرجل مهمته فى ليلة واحدة وصنع أقفالا غريبة وجميلة لكل أبواب الكنيسة، ما أثار الأقاويل حول استعانته بالسحر والشياطين فى تنفيذ ذلك، خاصة أنهم عثروا على "ديسكورنيه" بعد يوم من إنجاز عمله ميتاً فى سريره بعد تشنجات رهيبة، معتقدين أن الشيطان قد سلب روحه منه مقابل مساعدته فى إبداع الأقفال.
كما أن الكاتدرائية تحتوى على منحوتات غريبة حتى إن القناة تقول "ما هذا المخلوق الغريب الذى له ذيل كذيل الأفعى والذى لا علاقة له بشخصيات الكتاب المقدس"، كما توجد على جدران الكنيسة تماثيل لوحوش خرافية على جدرانها يقال إنها تستيقظ ليلاً.
وعلى مستوى الأحداث التاريخية شهدت كنيسة نوتردام العديد من الأحداث، ففى العام 1185 كانت الدعوة إلى الحملة الصليبية الثالثة من الكاتدرائية التى لم تكتمل، وفى 16 ديسمبر 1431 توج هنرى السادس ملك إنجلترا ملكا على فرنسا، كما تم تتويج نابليون الأول فى 2 ديسمبر 1804 فى نوتردام.
أما الحريق المدمر الذى أصاب الكاتدرائية، أمس، فقد خلف خسائر كبيرة فى السقف والفن الموجود به، ولم يترك سوى الهيكل فى انتظار تدخلات عاجلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.