لا شك أننا بالفعل في الطريق إلي إجراء تعديلات دستورية، وهو أمر يستدعي حديثاً لا يخلو من المسؤولية الوطنية التي تقتضيها اللحظة الراهنة من عمر الوطن.
وفي هذا السياق أود طرح مجموعة من الملاحظات آثرت بها مناقشة الأمر، بعيداً عن تفصيلات التعديلات المقترحة؛ فلست أكتب دفاعاً عن تعديل دون آخر، وإنما قصدت توجيه الانتباه إلي المصلحة الوطنية، ودفعها إلي مناطق أفضل في الوعي المجتمعي. ومن هنا أقول:
• الترحيب الذي يُبديه الشعب، بفئاته وطوائفه المختلفة، بالتعديلات الدستورية، يعود في الأساس إلي شعور الناس بالاطمئنان لأن التعديلات ستمنحنا الفرصة لبقاء الرئيس السيسي إلي ما بعد 2022، موعد انتهاء مدته الثانية وفق دستور 2014. وهو أمر يشير بوضوح إلي ارتفاع شعبية الرئيس السيسي من جهة، وإلي شعور الناس بأن لا أحد غير الرجل يمكن أن يملأ الفراغ من بعده. والنقطة الأخيرة لا أري فيها ما يُبشر بالخير. إذ من المفترض أن تذخر حياتنا السياسية برموز وطنية قادرة علي أداء مسؤوليتها الوطنية متى دفعت بها الجماهير إلي الصفوف الأولي. وفي ذلك تأكيد علي تأخر الأحزاب عن أداء وظائفها إلي حد لافت لا ينبغي أن يستمر. ومن ثم فجهد أكبر ينبغي أن ينال من أداء كافة القوى الحزبية، بهدف تنشيط حياتنا السياسية بشكل عام، والحزبية خاصة.
• الحوار المجتمعي، بمفهومه الحقيقي الواسع والدقيق، لا يعني أن يبدأ وينتهي داخل البرلمان. فذلك أمر يختزل الغرض من الحوار المجتمعي إلي حد بعيد معيب. ذلك أن أي حوار مجتمعي جاد لابد وأن تشارك فيه كافة مؤسسات الدولة، الرسمية وغير الرسمية علي السواء، وفي ظل نشاط إعلامي يؤكد قدرة وسائل الإعلام المختلفة علي تناول القضايا الوطني الحقيقية. وللأحزاب أيضاً هنا دور يتجاوز ما هو سائد لدينا. فليس من شك أن دور الأحزاب لا يقتصر علي أداء نوابها تحت قبة البرلمان. أين وظيفة التنمية السياسية المنوطة بالأحزاب؟. لقد قرأت بالفعل عن حزب من هنا وآخر من هناك يقيم مؤتمراً لشرح ومناقشة التعديلات الدستورية، لكن في حدود ضيقة جداً لا يمكن الوصول بها إلي آفاق العمل الحزبي الجاد في هذا الشأن.
• أتمني أن تأتي صياغة التعديلات وقد أخذت حقها بالفعل من الدرس والبحث والتدقيق، مع إعطاء المتخصصين الوقت الكافي لذلك. فلطالما تورطنا في نصوص أثارت الكثير من الجدل والخلاف أكثر مما هو مقصود منها بالاستقرار واستتباب الأمور. كما أن معيار الخبرة والكفاءة هو ما ينبغي إعماله فقط عند اختيار الخبراء والمتخصصين في صياغة التعديلات الدستورية، دون تأثر باتجاهات سياسية بعينها علي حساب غيرها.
• بانتهاء التعديلات الدستورية، وإقرارها بموجب نتيجة الاستفتاء، لا يصح أن يترك أي خلاف في الرأي آثاره علي حياتنا الحزبية المشحونة دائماً بالتناحر والاستقطاب علي خلوها من المضمون الحقيقي الداعم لجهود الدولة في سبيل بناء دولة مدنية حديثة. إذ يكفينا ما ينتظرنا من صراعات عندما تقترب انتخابات مجلس الشيوخ المقترح إنشائه في التعديلات الدستورية. وسيليه، بإذن الله، الانتخابات البرلمانية المقبلة في 2020، وبينهما الانتخابات المحلية.
أي أننا مقبلون علي مجموعة من الاستحقاقات الانتخابية، وحال الأحزاب عندنا كما تعلم، لا يمنحنا الثقة في أداء أفضل من المعتاد، حيث شراء المرشح الجاهز في دائرته الانتخابية، وتبادل المواقع الحزبية بحثاً عن ترشيح الحزب ضمن نصيبه من القوائم، إلي جانب غضبة الحزبيين عندما تتخطاهم اختيارات الحزب للترشح، وغير ذلك كثير مما تعانيه حياتنا الحزبية، وبات ملمحاً لا يغيب عنها.
وإلي حديث مقبل قريب بإذن الله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة