حوار فانفعال يليه انسحاب.. هكذا كان المشهد الشهير، الذى جمع الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، بنظيره الإسرائيلى شيمون بيريز، على هامش منتدى دافوس، قبل 10 أعوام، وتحديدا فى يناير 2009، ليكون أحد العلامات البارزة فى تاريخ الرجل، من وجهة نظر داعميه حيث بدا قويا حاسما، يتهم إسرائيل بقتل الأطفال المسلمين، على مرأى ومسمع العالم أجمع، ليعود بعدها إلى بلاده فيجد أنصاره محتشدين لاستقباله، كـ"بطل قومى"، أعاد إلى الدول الإسلامية هيبتها أمام العالم، بينما روج له مريديه فى الدول الأخرى معتبرين إياه نموذج للزعيم الإسلامى، الذى ينبغى أن يقتدى به القادة الأخرين فى دول المنطقة.
المشهد المذكور كان يمثل علامة فارقة فى تاريخ أردوغان ونظامه، حيث ساهم بصورة كبيرة فى محو مشاهد أخرى سابقة، كان أبرزها زيارة "البطل" المزعوم للدولة العبرية، فى 2005، ولقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلى آنذاك آرييل شارون، والذى رحب به فى القدس، والتى وصفها شارون أمامه بـ"عاصمة إسرائيل الأبدية"، دون تعليق يذكر من قبل المسئول التركى، والذى كان يشغل حينها رئيس الوزراء فى بلاده، فى الوقت الذى يحاول فيه أنصاره الآن استدعاء نفس المشهد، للتغطية على محاولات أنقرة الصريحة للتودد إلى الدولة العبرية فى المرحلة الراهنة.
تهنئة اليهود.. إسرائيل ورقة أردوغان لإدارة العلاقات مع واشنطن
ولعل التهنئة التى أدلى بها الرئيس التركى رجب طيب أردوغان لليهود بمناسبة عيد الفصح، هى أخر الحلقات، فى مسلسل التودد إلى إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة، فى انعكاس صريحا، للكيفية التى تعامل بها النظام التركى مع الدولة العبرية منذ بداية حقبته، حيث كانت إسرائيل بمثابة الورقة التى تعتمد عليها أنقرة لإدارة العلاقات مع واشنطن، صعودا وهبوطا، من أجل الحصول على مباركة الإدارات الأمريكية المتعاقبة لدور قيادى يمكن أن تلعبه الحكومة التركية على المستوى الإقليمى.
أردوغان وشارون
ومع وصول حزب العدالة والتنمية، بزعامة أردوغان، إلى سدة الحكم، فى عام 2003 كانت هناك توجسات دولية، خاصة من قبل الولايات المتحدة، حول طبيعة القيادة الجديدة (ذات المرجعية الإسلامية) لتركيا، والمعروفة بتوجهاتها العلمانية منذ انقضاء عهد الخلافة العثمانية، على يد مصطفى كمال أتاتورك فى العشرينات من القرن الماضى، وبالتالى اتجه النظام الجديد للترويج لنفسه بأنه نظام منفتح على العالم، لكسب ود الإدارة الأمريكية المحافظة فى تلك الفترة، والتى كان يترأسها الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش الإبن.
ولكن تغير النهج التركى تجاه إسرائيل بعد ذلك خلال حقبة الإدارة الأمريكية السابقة، حيث سعت أنقرة إلى لغة الشعارات الرنانة، والتصريحات العدائية تجاه الحكومة الإسرائيلية، وهو النهج الذى ربما جاء بمباركة، أو ربما بالتنسيق مع إدارة الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، فى ظل رؤيته التى قامت فى الأساس على الاعتماد على أنقرة فى تنفيذ الخطط الأمريكية لإعادة تشكيل المنطقة، وبالتالى كانت الخطوة الأولى لتحقيق ذلك هى وضعه فى مقعد القيادة للعالم الإسلامى، عبر خطابه العدائى لإسرائيل، وهو الأمر الذى تلاه خطوات أخرى، أهمها تمكين الجماعات الإرهابية الموالية له من مقاليد السلطة فى دول المنطقة إثر ما يسمى بـ"الربيع العربى".
عقوبات محتملة.. أنقرة تحتمى من الكونجرس عبر استرضاء ترامب
وهنا يمكننا القول إن العلاقات بين أنقرة وواشنطن هى بمثابة الترمومتر الذى يمكن من خلاله قياس حرارة العلاقات بين نظام الحكم فى تركيا وإسرائيل، وهو الأمر الذى يبدو واضحا فى التودد التركى الحالى لتل أبيب، فى إطار رغبتها فى استرضاء إدارة ترامب، التى لوحت قبل عدة أيام بإمكانية فرض عقوبات على أنقرة حالة شرائها منظومة الصواريخ الروسية "إس 400"، خاصة وأن مثل هذه الخطوة تمثل ضربة قاصمة للاقتصاد التركى الذى يشهد صفعات متتالية، على خلفية انهيار العملة المحلية (الليرة) وكذلك ارتفاع معدلات التضخم بصورة غير مسبوقة.
أردوغان وبيريز
وعند النظر إلى التهنئة المثيرة للجدل التى قدمها نتنياهو لليهود، بمناسبة عيد الفصح، نجد أنها تزامنت مع حديث متواتر حول آمال تعلقها أنقرة على الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، للوقوف أمام قرار مرتقب من قبل الكونجرس ضد تركيا، قد تصل إلى إصدار عقوبات عليها فى المرحلة المقبلة، على خلفية التعاون مع موسكو، والذى يمثل انتهاكا لالتزاماتها كعضو فى حلف شمال الأطلسى "الناتو"، وهو الأمر الذى يبدو مستبعدا إلى حد كبير، خاصة وأن أعضاء بارزين فى الإدارة الأمريكية، وعلى رأسهم نائب الرئيس الأمريكى مايك بنس، ووزير الخارجية مايك بومبيو، وجهوا انتقادات علانية لأردوغان، خلال اجتماع وزراء خارجية الحلف، والذى عقد فى واشنطن قبل أسابيع، لإحياء الذكرى الـ70 لتأسيسه، على خلفية الصفقة الروسية التركية.
ليست سابقة.. قطر استخدمت النهج نفسه لاستقطاب ترامب
ويمثل استخدام ورقة إسرائيل لاسترضاء واشنطن ليست سابقة تركية، فقد سبق وأن انتهجت قطر، والتى تعد الحليف المقرب لأنقرة، نفس النهج، فى إطار مساعيها لاستقطاب إدارة ترامب إلى صفها فى أزمتها مع محيطها العربى والإقليمى، منذ قرار المقاطعة التى اتخذته دول الرباعى العربى (مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين) بصددها فى يونيو 2017، حيث سعت الإمارة الخليجية إلى استضافة عدد من أعضاء اللوبى اليهودى فى واشنطن، بالإضافة كذلك إلى استضافة شخصيات إسرائيلية بارزة لتحسين صورتها، ودحض الاتهامات التى تلاحقها بدعم الإرهاب، بالإضافة إلى استرضاء واشنطن.
تميم وأردوغان ونفس النهج
وهنا يتجلى بوضوح تطابق النهج الذى يتبناه تحالف الشر، الداعم للإرهاب، فى منطقة الشرق الأوسط، حيث تمثل الدولة العبرية وسيلتهما لتحقيق أهدافهما، رغم الشعارات التى طالما تبنوها بمعاداتها، وهو ما يمثل انعكاسا صريحا لأهدافهما المشبوهة على حساب القضايا العربية والإسلامية، والتى يتظاهرون بالدفاع عنها، وهو ما يبرز فشل أردوغان فى إدراك التجربة القطرية، والتى استهدفت استرضاء واشنطن، فى الأشهر الماضية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة