ـ سلوى نزحت مع 18 فردا من عائلتها بعد العثور على جثتى شقيقها وابنه وخلع عيونهما
- قيود على خروج ودخول السوريين من وإلى المخيمات والحياة خارج المخيم بضمان الكفيل
- سندس ضحية اضطهاد داعش للمسيحيين بالموصل.. سحر صحفية يمنية شابة ممنوعة من رؤية أسرتها بسبب تهديدات الحوثيين
- أطفال وفتيات تعرضوا لاعتداءات جنسية جماعية بسبب سوء الأحوال المعيشية
- الحياة فى مناطق الصراعات واللجوء حين تتساوى تجربة الحمل والولادة مع أخطار القذائف والرصاص
رغم مرور ما يقرب من 7 سنوات لا تنسى أم سليم ذلك اليوم حين كان أبناؤها الخمسة يتضورون جوعا بينما تجلس هى بالخيمة لا تستطيع الخروج للحصول على المساعدات الغذائية التى توزعها منظمات الإغاثة بمخيم الزعترى للاجئين السوريين بالأردن، كانت ملابسها التى هربت بها من ويلات الحرب بسوريا ملوثة بالدماء، بعدما داهمتها الدورة الشهرية، ولم يكن لديها ملابس أخرى لاستبدالها، ظلت تبكى إلى جوار أبنائها، تشعر بالعجز والخجل والحيرة والقهر، ظلت ساعات على هذا الحال حتى دخلت جارتها لتسأل عنها وتخبرها بأن هناك أغذية توزع بالخارج، بكت الجارة وهى ترى مشهد الأم وأطفالها يبكون جوعى مقهورين، فأسرعت لإحضار ثوبها الذى غسلته وتنتظر أن يجف، حتى ترتديه أم سليم وتخرج لإحضار المساعدات الغذائية لأطفالها.
مشاهد من حياة اللاجئات
لم يكن هذا المشهد هو الأكثر قسوة فى حياة أم سليم وغيرها من اللاجئات السوريات، وغيرهن ممن هربن من جحيم أوطان دمرتها الانقسامات والفتن والحروب إلى الأردن ليعشن بالمخيمات أو داخل المدن، فحياتهن أصبحت سلسلة من المشاهد القاسية بدأت بما تعرضن له قبل نزوحهن من الوطن، ثم بعد حصولهن على لقب لاجئات.
هربت أم سليم مع زوجها وأطفالها الخمسة من سوريا تحت جحيم النار والقتل، بلا أى شىء سوى الملابس التى يرتديها كل منهم، أصيب زوجها خلال رحلة الهرب بشظايا بمختلف أنحاء جسده، وتم نقله إلى أحد مستشفيات الأردن للعلاج، بينما تم نقلها هى وأطفالها إلى معسكر الزعترى للاجئين السوريين بالأردن.
وقفت أم سليم مع آلاف النساء والأطفال والرجال الهاربين من الجحيم على أبواب المخيم ينتظر كل منهم دوره فى الحصول على رقم وخيمة وبعض الأوانى للدخول إلى المعسكر، أصابتها الصدمة ولم تصدق أنها ستعيش مع أطفالها فى خيمة بعدما كانت سيدة بيت لديها منزل وأسرة وزوج يعمل تاجرا، ستقف طابورا للحصول على طعام يسد جوع أطفالها وطابورا للحصول على شربة ماء من خزانات مياه غير صالحة للشرب، والأصعب من ذلك أنها ستقف طوابير أخرى لاستخدام حمام مشترك يقع على مسافة بعيدة من خيمتها المفتوحة، ولن تستطيع الذهاب ليلا مهما كانت الظروف.
أم سليم واحدة من ملايين اللاجئات اللاتى هربن خلال السنوات الأخيرة من الدول العربية التى شهدت صراعات وحروبا، فر مواطنوها للنجاة بأرواحهم إلى بلاد أخرى باحثين عن الأمان، ولكنه أصبح حلما بعيد المنال بعدما ضاعت أوطانهم وأصبحوا كمن فر من الرمضاء إلى النار.
سوريات ويمنيات وعراقيات عاشت كل منهن خارج الوطن مأساة وأحداثا لا يتحملها بشر، وتعرضت لأشكال متعددة من العنف وألوانا من القهر والظروف المعيشية الصعبة التى لم تكن تتخيل يوما أن تمر بها.
فى الملف التالى نعرض حكايات ومآسى لاجئات حرمتهن صراعات السياسة من أبسط الحقوق وقذفت بهن أوحال الحروب خارج الأوطان..
اللاجئات السوريات فى الأردن بين المعسكرات والمدن
تضم الأردن عددا كبيرا من اللاجئين السوريين وغيرهم من الدول العربية التى تشهد أحداث عنف وحروبا، وبعد تفاقم الأزمة السورية ونزوح آلاف المواطنين السوريين خصصت الأردن عددا من المعسكرات للاجئين، أولها وأكبرها معسكر الزعترى، الذى يقع بمدينة المفرق شمال شرق الأردن، وهو أول وأكبر معسكرات اللاجئين السوريين، وأقيم عام 2012 لاستيعاب أعداد اللاجئين النازحين من سوريا إلى الأردن، ويبلغ عدد اللاجئين به ما يقرب من 90 ألف لاجئ سورى، من بين حوالى مليون لاجئ سورى يعيشون بالأردن أغلبهم من النساء والأطفال، فيما يعيش خارج معسكرات اللاجئين ما يقرب من 80٪ من السوريين داخل المدن الأردنية عن طريق ما يعرف بنظام الكفيل، الذى يسمح للاجئ السورى بالخروج والعيش خارج المعسكر بالمدن الأردنية، ولكن من خلال كفيل أو ضامن أردنى، وغير ذلك يكون غير مسموح خروج اللاجئ من المعسكر إلا بتصريح لفترة مؤقتة ولظروف وشروط محددة أهمها العلاج ،على أن يعود للإقامة بالمعسكر، وإذا تجاوز فترة التصريح يكون مخالفا ويمكن أن يتعرض لعقوبات منها الترحيل. كما لا يسمح القانون الأردنى للاجئين السوريين بالعمل إلا بتصريح ، ويواجه الكثيرون منهم صعوبات فى استخراج مثل هذه التصاريح.
مراحل الحياة بمخيم الزعترى
وشهد مخيم الزعترى للاجئين السوريين بالأردن فى بداية إنشائه عددا من المشكلات والأزمات الإنسانية بسبب نزوح المواطنين السوريين بأعداد هائلة، وكان عبارة عن خيام بدائية مفتوحة، ولا تتوافر فيه مياه الشرب إلا عن طريق خزانات، كما كانت دورات المياه قليلة ومشتركة، وكذلك المطابخ التى يستخدمها اللاجئون، وهى الظروف التى تسببت فى عدم توافر الأمان بالمخيم وخاصة للسيدات والفتيات وتعرضت بعضهن لحوادث عنف أو اغتصاب وتحرش.
وفى زيارة لمخيم الزعترى لاحظنا ما شهده خلال السنوات الأخيرة من تطورات، حيث تحولت الخيام إلى كرفانات ودخلتها المياه والكهرباء وأصبح أغلبها يحتوى على حمام خاص، ولكنه يظل، مهما شهد من تطور، معسكرا لمواطنين بلا وطن، وبؤساء بلا سكن، يعيشون حياة لا يعرف مرارتها سوى من عاشها.
أطفال يسيرون بالدراجات داخل المخيم الكبير، وسيدات حرصن على أن تكون الكرفانات مرتبة ونظيفة رغم صغر مساحتها، ومحال تجارية وسوق اتخذ منه الرجال وسيلة لكسب الرزق، وحياة يحاول اللاجئون الذين انقطعت بهم أسباب العودة للوطن التأقلم معها.
«بعض النساء والفتيات داخل وخارج المخيمات تعرضن فى بداية النزوح إلى أشكال متعددة من العنف ومنها الاعتداءات الجنسية، سواء أثناء النزوح أو بسبب الأوضاع الصعبة فى المخيمات».. هكذا أكد الدكتور حسين سالم رئيس مركز الهاشمى بمؤسسة نور الحسين بالأردن.
وأوضح أنه فى بداية إقامة المعسكرات لم تكن تتوافر خدمات الكهرباء بالشكل الحالى، كما كانت الخيام بدائية ومفتوحة والحمامات مشتركة، وهو ما أدى إلى تعرض الفتيات والنساء إلى العديد من المشكلات، مشيرا إلى واقعة الاعتداء الجنسى الجماعى على إحدى الفتيات من 7 جناة فى بداية إنشاء المخيم ليلا، دون أن تتعرف على أى منهم.
وأضاف أن هناك حوادث اعتداء جنسى تعرضت لها لاجئات خارج المخيم، ومنها تعرض طفلة عراقية عمرها 12 عاما للاغتصاب بواسطة 5 أشخاص أثناء خروجها ليلا لشراء دواء لوالدتها المريضة.
وأكد وقوع 5 حالات اعتداء جنسى خلال الأربعة أشهر الأخيرة لفتيات فى أعمار أقل من 16 عاما وحتى 25 عاما، سواء من أشخاص معروفين أو غير معروفين، وأن المراكز والمنظمات تعمل على دعم السيدات والفتيات نفسيا ومساعدتهن على الإبلاغ عن هذه الوقائع.
سكان المخيم.. حياة تتحدى الموت
داخل أحد الكرفانات بمخيم الزعترى تعيش سلوى مع أسرتها التى تتكون من 10 أفراد هى وشقيقاتها السبعة ووالداها، وبالكرفان المجاور تعيش أسرة شقيقها الذى استشهد هو وأكبر أبنائه فى سوريا وجاءت زوجته وأبناؤه الثمانية إلى الأردن.
تقول سلوى: «عشنا أياما صعبة وأحداثا بشعة، كان صوت القذائف والنيران لا يتوقف ولم نكن نخرج من المخابئ، والقتل والدماء فى كل مكان، تعرض جارنا للذبح بالساطور، أما أخى فوجدنا جثته مقتولا بأربعة رصاصات فى الرأس بعد تعذيبه وخلع عينيه، كما عثرنا على جثة أكبر أبنائه الذى يبلغ من العمر 16 عاما محروقا وتعرفنا عليه من أصابعه»
أضافت: «قضينا شهر رمضان قبل خروجنا من سوريا فى رعب دائم تعرضت المدن للاقتحام والقصف لمدة 4 أشهر، وبعد الاقتحام حدثت هجمات على المنازل وتم قتل الرجال واستشهد 4 آخرون من أبناء عمى».
تؤكد سلوى أن بعض النساء السوريات تعرضن للاغتصاب ولكنهن لا يتحدثن عن هذه الجرائم خوفا من الفضيحة، مشددة على أنها لم تتعرض هى أو أى من شقيقاتها لهذه الحوادث.
وتابعت: هربنا من سوريا أنا وأبى وأمى وشقيقاتى البنات وزوجة أخى الشهيد وأبنائه فى 2013، وجئنا إلى مخيم الزعترى، كنا 18 فردا، وجاء أخى الثانى بعدنا، ومن وقتها لم نرجع.
تبكى وهى تتذكر أيامها الأولى فى المخيم، قائلة: «لم تكن هناك أغطية وكاد البرد يقتلنا وشعرنا بالصدمة حين شاهدنا المخيمات، ولم نستوعب فى بداية الأمر أننا سنعيش لسنوات هنا، بعدما كنا نمتلك عددا من العقارات والأراضى فى وطننا سوريا وكنا نعيش حياة مرفهة».
وتابعت: «كانت الخيام تغرق من الأمطار، والحمامات مشتركة، وكان أخى ينام بين الخيمتين خوفا من أن تتعرض نساء الأسرة للاغتصاب، ولم يكن معنا ملابس كافية، واعتمدنا بشكل كامل على المساعدات».
وأضافت: «ابن أخى الشهيد اضطر لترك دراسته فى سن 12 عاما حتى يعول إخوته، وأعمل أنا وشقيقاتى فى مهن بسيطة بإعداد بعض الأطعمة وبيعها، ونحلم أن نعود إلى وطننا».
وتحكى ريم، وهى أم لطفلين، عن رحلتها من منزل أسرتها بدرعا فى سوريا إلى مخيم الزعترى قائلة: «بدأ الأمر كمزحة عندما كنا نشاهد مخيمات اللاجئين فى الأردن على شاشات التلفاز، ثم تحولت المزحة للواقع الذى نعيشه، قالوا إننا لن نستطيع أن نحمل الكثير من الأغراض للحدود، فلم أحضر معى سوى قليل من الثياب».
تشير ريم ابنة الـ26 ربيعا إلى أن الوضع فى مخيم الزعترى أصبح أكثر أمانًا، متذكرة كيف أصبح كل شىء مخيفًا فى سوريا قبل هربها.
وتتذكر وجود حاجز تفتيش بالقرب من منزل أسرتها فى درعا، وأن خوف أهلها عليها وعلى أختها دفعهم دائما لإغلاق الأبواب والنوافذ خوفا من خطر العنف الجنسى ضد الفتيات، كما تذكر ريم أن هذا الخوف كان سببًا رئيسيًا فى اضطرارها لترك المدرسة، بعد تناثر الأنباء عن الهجوم على القرى والحافلات لاختطاف الفتيات.
تزوجت ريم منذ أكثر من 6 سنوات فى خيمة بالمخيم ثم تحسنت الظروف واستطاع زوجها توفير كرفان: «كان طموحى أكبر و كنت أتمنى استكمال دراستى ولكن تغير كل شىء، وأتمنى أن أرى أطفالى فى وضع أفضل وأن أرى بقية عائلتى مرة أخرة، وأن يعود الأمان لسوريا ونستطيع العودة للوطن».
ومنذ افتتاح عيادة الولادة الخاصة بصندوق الأمم المتحدة للسكان عام 2013، شهد مخيم الزعترى للاجئين 10 آلاف ولادة.
خارج المخيم الحياة بضمان الكفيل
فيما تحكى إخلاص التى كانت تعيش فى المخيم، ولكنها خرجت عن طريق كفالة أحد المواطنين الأردنيين، وتعمل الآن فى أحد المراكز التى تقدم الدعم للاجئين، قائلة: «يتعرض اللاجئ إلى كل أنواع الاستغلال، حتى نظام الكفالة تحدث فيه العديد من حالات النصب والتزوير»، مؤكدة أنها خرجت من المخيم فى البداية بكفالة اكتشفت أنها مزورة بعد أن حصل الكفيل منها على مبلغ 350 دينارا.
وقالت إخلاص، وهى أم لخمسة أطفال، أنها نزحت من سوريا مع زوجها وأطفالها منذ 6 سنوات، مؤكدة أنها كانت «حامل» وقتها وخرجت من بيتها هربا من على أسطح المنازل حتى وصلت إلى الأردن ودخلت معسكر الزعترى.
تبكى وهى تتذكر هذه التجربة المريرة قائلة: خرجنا بملابسنا وتركنا كل شىء، حيث كان هناك قناصون يستهدفون المواطنين، وتعرضت بعض السيدات للاغتصاب، وكانت صدمتى الشديدة عندما عشت فى البداية بالمخيم، كانت الحمامات مشتركة وكنت أخاف على نفسى وبناتى من أن نذهب إليها، كما كانت المطابخ مشتركة، ولا أستطيع إطعام أطفالى إلا حسب مواعيد هذه المطابخ.
وتابعت: لم أتحمل الحياة فى المخيم، خاصة بعدما تعرضت ابنتى التى تبلغ من العمر 8 أشهر للتسمم بسبب تلوث مياه الشرب، وبحثنا عن كفيل حتى نخرج إلى المدن الأردنية، وتعرضنا كما تعرض غيرنا للنصب من بعض تجار الحرب، ولكن كان حظى أفضل لأننى تعرفت على مسؤولى إحدى الجمعيات التابعة لمركز نور الحسين، وساعدونى ودربونى وعملت معهم فى مساعدة اللاجئات السوريات.
وأكدت أن الوضع تحسن فى مخيم الزعترى، ولكنه لايزال سيئًا فى عدد من المخيمات الأخرى، ومنها مخيم الأزرق، الذى تعيش فيه شقيقتها، بسبب قلة الخدمات الصحية.
تشير إلى أنه بالرغم من أنها تعيش هى وشقيقتها فى بلد واحد، فإنها لا تستطيع رؤيتها، مؤكدة أن هناك قيودا على الدخول والخروج للمخيم، وأنه غير مسموح الخروج منه إلا بتصريح، ولا يتم منح هذه التصاريح إلا بشروط ولفترة محددة، وأن شقيقتها لا تستطيع الخروج من المعسكر منذ 7 أشهر.
بينما لا تتمالك فاطمة، الخمسينية، دموعها وهى تتذكر منزلها فى سوريا، وطقوسها وتحضيراتها قبل شهر رمضان، وتتحسر على وطن ضائع وسكن لم تعد تراه إلا فى الأحلام.
تحكى تجربتها قائلة: حدثت فتن وحرب أهلية وطائفية فى سوريا، بين السنة والشيعة والعلويين، ووقعت جرائم قتل واغتصاب، واستيقظنا فى أحد الأيام لنجد جارتى وزوجها وأبناءها مذبوحين، فقررنا الفرار.
وأضافت: «خرجت أنا وزوجى وأبنائى الستة وأهلى جميعا من حمص منذ 6 سنوات عن طريق الأمم المتحدة، بعد الاعتداء على زوجى وكسر 3 فقرات من ظهره، وقضينا 7 أشهر فى الطريق خلال رحلة الهرب، حتى وصلنا إلى مخيم الزعترى، ولكن خرجت بعد فترة عن طريق كفيل أردنى ودفعنا عن كل فرد 15 دينارا».
وتشير فاطمة إلى انه فى البداية كان اللاجئون يتلقون دعما من المنظمات، وتدريجياو ومع تزايد الأعداد قل هذا الدعم، مؤكدة أن هناك قيودا على عمل السوريين فى البلاد التى ينزحون إليها، ويحتاجون فى الأردن إلى تصاريح عمل تتجدد كل عامين .
فيما تؤكد الناشطة الأردنية أحكام الدجانى أن مخيم الزعترى شهد أوضاعا معيشية صعبة فى بداياته، بسبب توافد آلاف السوريين بشكل مفاجئ، وكانت الخيام مفتوحة، ونزح أغلب اللاجئين دون أن يكون معهم أى شىء سوى الملابس التى يرتدونها فقط، وكان هناك نقص فى حليب الأطفال والأدوية، وعاش اللاجئون مأساة أيام الشتاء والأمطار، وكان الأطفال دائما حفاة، والإعانات لا تكفى، ولم تكن هناك أسواق بالمخيم.
وأضافت أن النساء عانين فى البداية من نقص أدوات النظافة والفوط الصحية، وكان هناك عدد كبير من النساء نزحن بأطفالهن بعد مقتل الزوج أو الأبناء الذكور، وبعض العائلات كان بها ما يقرب من 20 طفلا أو سيدة وليس معها إلا رجل واحد، فكان الرجل ينام وسط الخيمة لحماية نساء العائلة وفتياتها.
وأشارت إلى أنه تدريجيا بدأت الأسواق والمحلات تنتشر بالمخيم، كما أنشئت مدارس داخل المخيمات، مؤكدة أنه لايزال هناك قيود على الخروج والدخول من المعسكرات بسبب إجراءات الأمن، كما أن الكثيرين داخل المخيمات أو خارجها يعانون من صعوبات فى الحصول على عمل، مؤكدة دور المتطوعين فى تخفيف معاناة اللاجئين منذ بدايات النزوح وحتى الآن.
العراقيات ضحايا داعش يبحثن عن الحياة خارج الوطن
لا تقتصر المآسى فى الأردن على اللاجئات السوريات فقط، ولكن ما تعرضت له اللاجئات العراقيات أثناء وبعد النزوح لا يقل بشاعة.
فى مركز للمشورة الأسرية جلست سندس السيدة الأربعينية التى نزحت من الموصل بعد تهديدات داعش للمسيحيين وقتل عدد منهم، منهكة يبدو عليها المرض والإرهاق.
تحكى تجربتها بانكسار ولا تتمالك دموعها وهى تتذكر منزلها بالموصل وتلك الحديقة التى كانت تعتنى بها وشهدت أجمل أيام عمرها مع زوجها وابنيها اللذين كانا يدرسان بالمرحلة الثانوية.
لا تنس ذلك اليوم من شهر سبتمبر عام 2014 عندما طرق باب منزلها عدد من أفراد تنظيم داعش، وأمروا زوجها بالرحيل وترك البيت وإلا سيتعرض للقتل مع جميع أفراد أسرته.
أشارت سندس إلى أنهم لم يكن لديهم فرصة للتفكير أو الرفض، حيث وصلتهم رسالة حاسمة من التنظيم عندما فتحوا الباب ليجدوا جوالا أمام البيت به جثة رجل مقطعة، ففهموا الرسالة وقرروا الرحيل، مؤكدة أن جارهم الذى رفض ترك منزله تم قتله مع أفراد أسرته.
تبكى سندس وهى تتذكر ذاك اليوم حين رحلت هى وزوجها وابناها بالسيارة واعترض طريقهم عدد من أفراد التنظيم، وطلبوا منهم تسليم ما معهم من أموال وما ترتديه من مصوغات، إضافة إلى مفاتيح السيارة، وعندما اعترض ابنها على أن تخلع والدته مصاغها قائلا: «خذوا كل شىء واتركوا لأمى ذهبها»، اعتدى عليه أفراد التنظيم بالضرب وكسروا كتفه وذراعه، كما اعتدوا على زوجها وأصابوه إصابات بالغة أثرت فى قدرته على الحركة.
قالت سندس وهى منهارة فى البكاء: «مشينا نحو الشمال حتى وصلنا إلى منطقة سد صدام، وعشت مع عدد من أقاربى لمدة 6 أشهر، وكنا 22 فردا فى بيت واحد، وتنقلنا عدة مرات حتى وصلت إلى الأردن عام 2016».
وأضافت أن خالتها التى تعيش بالسويد أرسلت لها بعض الأموال، كما تلقت بعض المساعدات من المنظمات، حتى تستأجر مكانا تقيم فيه بالأردن، مؤكدة عدم وجود مخيمات للاجئين العراقيين.
وأشارت سندس إلى أن الإعانات التى كانت تتلقاها بدأت تتوقف، فلجأت للديون، حيث أصبح زوجها عاجزا عن العمل وتسرب ابناها من التعليم، ويعملان بشكل متقطع فى تقديم المشروبات والأطعمة بالجنازات والأفراح.
تدهورت صحة سندس وأصبحت تعانى من عدد من الأمراض، وأصيبت بنزيف مستمر ونقص بالحديد واستأصلت الرحم.
تبكى مؤكدة أنها تحاول أن تتماسك أمام زوجها وابنيها، مؤكدة أنها لم تكن تتوقع أن يأتى يوم تضطر فيه إلى ترك منزلها ووطنها، ورغم ذلك لا تفكر فى العودة للعراق، قائلة: «رأيت الموت عدة مرات، وحلمى الوحيد أن أستقر مع زوجى وأبنائى فى بيت فى أى بلد، وأن يجد أبنائى عملا».
أما سعاد عيد التى جاءت إلى الأردن نازحة مع أخيها الذى كان يعمل تاجر ملابس من محافظة صلاح الدين بالعراق عام 2015، فتؤكد أنها تركت وطنها بسبب أحداث العنف والطائفية والقتل على الهوية.
وقالت: «انتشرت حوادث القتل والخطف، واختطف تنظيم داعش أخى واحتجزوه لمدة 20 يوما تعرض خلالها لأبشع أنواع التعذيب لإجباره على العمل معهم».
وأضافت: أبدى أخى موافقته على التعاون معهم حتى يتركوه وبعدها هربنا من منطقة لأخرى، وكانت الرحلة صعبة وتركنا كل شىء، قدمنا أوراقنا للمفوضية وأعطونا اللجوء».
تشير سعاد التى لم تحصل على أى قدر من التعليم وتعرضت لحادث حريق فى الصغر، إلى أن شقيقها لا يعمل بسبب صعوبة حصوله على تصريح للعمل فى الأردن، مؤكدة أنهما يعيشان على الإعانات القليلة التى تقدمها بعض الجمعيات والمنظمات.
سمر اليمنية محرومة من رؤية أسرتها بسبب الحوثيين
للعام الثالث على التوالى لن تقضى سحر الفتاة اليمنية التى لا يتجاوز عمرها 26 عاما شهر رمضان مع أسرتها، لن تأكل من يد أمها أو تستمتع بقبلة من ابنة شقيقتها، التى لم ترها منذ ما يقرب من عامين، ستعمل الصحفية الشابة تحت أى ظرف وتتحمل أى ضغوط لتدبير نفقات معيشتها بالأردن.
كانت سحر تحلم بالعمل بالصحافة، والتحقت بكلية الإعلام وتدربت فى عدة صحف باليمن منذ كانت طالبة حتى تخرجت وعملت فى إحدى المؤسسات الصحفية، ومع سيطرة الحوثيين تعرضت لعدد من المضايقات.
لم تتخيل حين سافرت منذ ما يقرب من ثلاثة أعوام إلى الأردن للمشاركة فى دورة تدريبية نظمتها إحدى المؤسسات الدولية أنها لن تعود إلى وطنها مرة أخرى.
وخلال مشاركتها فى الدورة التدريبية التى كانت مدتها 3 أيام عرفت أنه تم الاستغناء عنها فى العمل، واختطاف واعتقال 17 من زملائها، تعرضوا للتعذيب وبعضهم توفى أو عاد مصابا بالشلل.
شعرت سحر بالخطر وحذرها أهلها من العودة لليمن، وكان عليها أن تدبر حالها فى الأردن رغم عدم امتلاكها لأى أموال أو حتى ملابس تكفى للإقامة الدائمة.
أصابتها فى البداية حالة من الصدمة وعدم الاستيعاب، ولكنها سرعان ما أدركت حجم المأساة والمشكلات التى يجب عليها مواجهتها، منحتها المؤسسة التى نظمت الدورة التدريبية فرصة عدة أيام حتى تجد سكنا وعملا.
استدانت من بعض معارفها الذين ساعدوها فى الحصول على عمل بإحدى المؤسسات الإعلامية بالأردن وبراتب زهيد لم تجد بديلا أفضل منه، واستأجرت غرفة، وقدمت طلبا لمفوضية اللاجئين وحصلت على لقب «طالب لجوء» لحين حصولها على لقب لاجئ.
تشرد سحر حين تتحدث عن أسرتها قائلة: «ليس لدى أى أمل لرؤية أسرتى فى القريب العاجل، فهم لا يستطيعون السفر للأردن بسبب التكلفة التى لا يمكنهم تدبيرها، وأنا لا أستطيع السفر إلى اليمن حفاظا على حياتى».
تدمع عيناها حين تتذكر عجزها عن رؤية جدتها التى ربتها أثناء فترة مرضها وقبل وفاتها، وتخشى أن تفقد آخرين من أفراد أسرتها دون أن تراهم».
تؤكد أنها تعيش وحيدة حزينة ليس لديها أى رفاهية للاعتراض، مهما تعرضت لأى ضغوط أو ظلم بالعمل، لأن عليها أن تلهث دائما لتدبير نفقات معيشتها خارج وطنها وبعيدا عن أسرتها.
حين تصبح تجربة الحمل والولادة كخطر القذائف والرصاص
وقال لؤى شبانة، المدير الإقليمى لصندوق الأمم المتحدة للسكان فى منطقة الدول العربية: «كل ما نقرأه ونشاهده غير كافٍ لتخيل شكل حياة النساء فى مناطق النزوح والصراعات، لا تتوقف النساء عن كونهن نساء عندما تبدأ الأزمات الإنسانية، لا يتوقفن عن الحيض والزواج والطلاق والحمل والولادة، ويتعرضن للكثير من المخاطر لذلك يعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان على توفير مظلة حماية للحقوق الإنجابية فى مناطق اللجوء والكوارث الإنسانية».
يشير إلى حجم المعاناة التى يمكن أن تعانيها أم حامل تضطر للهرب بأطفالها من خطر يتهدد حياتهم، أو ما يعنيه أن تضطر امرأة للإنجاب بينما لا تملك سبيلاً للوصول لأى خدمات طبية، أو الشعور بالإهانة وفقد الكرامة الذى ينتج عن تجربة فى مثل بساطة الحيض دون القدرة على الحصول على فوط صحية وملابس كافية.
ويؤكد أن عددا من أسوأ مناطق الأزمات الإنسانية تقع فى منطقة الدول العربية، حيث تم إعلان اليمن أسوأ كارثة إنسانية فى العالم فى العام الماضى، كما تدخل الأزمة السورية عامها التاسع وتستمر سوريا فى احتلال المركز الأول كأكبر مصدر للاجئين على المستوى العالمى، وتعانى فلسطين من الآثار المدمرة لاحتلال استمر عقودًا وحصار يعزل قطاع غزة عن العالم. كما تطول القائمة لتتضمن ليبيا والعراق والصومال، ودول مثل لبنان والأردن أدى قربها من النزاع السورى لأزمة لاجئين طاحنة.
وأضاف أنه عالميًا، تحدث أكثر من نصف وفيات الأمهات فى مناطق الكوارث الإنسانية، وقد تتحول تجارب الحمل والولادة لأخطار تماثل فى تهديدها لحياة المرأة خطر القذائف والرصاص.
وأشارت تقارير منظمة الأمم المتحدة للسكان إلى أن غياب الاستقرار الذى خلفته الأزمة السورية، أدى إلى زيادة معدل زواج القاصرات نتيجة الخوف من العنف الجنسى، وأن نسبة النساء السوريات فى الفئة العمرية من 20 لـ24 عامًا ممن تزوجن قبل سن الـ18 ازدادت كثيرًا بعد بداية الأزمة حتى وصلت لثلث الفتيات فى مناطق اللجوء، حيث يتم تزويج بعض الفتيات قبل أن يتجاوزن الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة وينتهى الحال بالكثيرات منهن بالطلاق، وبعض هذه الحالات قد لا يتم توثيق الزواج بشكل رسمى مما يهدر حقوق الفتاة وأطفالها.
وأكدت التقارير أنه أثناء تجارب اللجوء والنزوح، يصبح كل شىء أكثر صعوبة بالنسبة للنساء والفتيات، فتضطر الفتيات لترك المدرسة أكثر من الفتيان، كما أن معدل تركهن للدراسة أكثر بـ90 فى المائة من معدل ترك الفتيات للدراسة فى البلاد غير المتأثرة بالنزاعات، وتزيد الأزمات الإنسانية من تعرض النساء للوفاة والأمراض والمضاعفات المتعلقة بالحمل والولادة.
وعلى الرغم من أن عددا من الجهات والمنظمات ومنها صندوق الأمم المتحدة للسكان ومفوضية اللاجئين تحاول تقديم بعض الخدمات المتعلقة بالصحة الإنجابية من خلال دعم المرافق الصحية لتوفير رعاية وخدمات حماية من العنف وإرسال الفرق والعيادات الطبية المتنقلة للمناطق المحرومة، لا تمحو هذه الجهود آثار الانتهاكات والعنف والتجارب المريرة التى مرت وتمر بها النساء والفتيات فى مناطق الصراعات والحروب واللاتى أصبحن لاجئات بلا وطن يفتقدن كل أساسيات الأمان والاستقرار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة