فى التسعينيات من القرن العشرين كانت الحرب الباردة فى نهايتها، والاتحاد السوفيتى يخرج من الحرب ويجرى الإعلان عن نهاية التاريخ واستقراره على النموذج الأمريكى، ورد هذا فى مؤلفات فرانسيس فوكوياما وغيره، ترى أن النموذج الأمريكى هو الأقوى والأقدر على فرض وجهة النظر الأمريكية، وقتها كان الصعود الصينى واضحا، متزامنا مع عولمة تجارية واقتصادية. الصين غيرت الاتجاه، والتقطت روسيا أنفاس الدولة العظمى، من دون أعباء الإمبراطورية فى شرق أوربا ومناطق متعددة من العالم، فقد أصبحت المصالح الاقتصادية هى المحرك الأهم.
الصين صعدت خطوة وراء أخرى، بتوجه اقتصادى التقط النموذج الرأسمالى، مع الإبقاء على اشتراكية مرنة، تجاوزت الجمود الذى أطاح بالاتحاد السوفيتى، تتوسع الصين بقوة الاقتصاد، وليس بالنمو العسكرى التقليدى لفرض القوة.
وقبل 6 سنوات كانت فكرة الحزام والطريق تبدو أقرب للمستحيل، أطلق الرئيس الصينى شى جين بينج مبادرة «حزام واحد - طريق واحد» عام 2013 لإنشاء طرق تجارية وممرات اقتصادية تربط أكثر من 68 دولة، تضم 65% من سكان العالم، و40% من الناتج المحلى الإجمالى العالمى فى 2017.
«الحزام» هو طريق الحرير القديم، شبكة طرق تجارية تمر عبر جنوب آسيا لتربط الصين بدول جنوب وشرق آسيا والشرق الأوسط، وصولا إلى أوربا، و«الطريق» هو طريق بحرى يربط الصين بموانئ متعددة فى أفريقيا وآسيا وأوربا. المبادرة تتضمن تشييد شبكات من السكك الحديدية وأنابيب نفط وغاز وخطوط كهرباء وإنترنت وبنى تحتية بحرية، تصل الصين بآسيا وأوربا و روسيا وصولا إلى بحر البلطيق، وممر برى من الصين إلى الخليج العربى والبحر المتوسط، عبر وسط وغرب آسيا، وممر ثالث من الصين إلى جنوب وشرق آسيا، ومن ثم جنوب آسيا، وصولا إلى المحيط الهندى.
أسست الصين صندوقا استثماريا برأسمال ضخم يقدم تمويلات فى صورة قروض ومساعدات للدول النامية.
وجهت الصين الدعوة لدول العالم، لكن أوربا تنظر ببعض القلق للمبادرة، حضر وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان، ويشارك رئيس الوزراء الإيطالى جوزيبى كونتى، واشنطن انتقدت انضمام إيطاليا، وقال متحدث باسم وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو: «نشعر بالقلق إزاء التعتيم والاستدامة»، ووجه إشارات بوجود فساد وغياب للشفافية، وهو ما رد عليه شى جينبينغ فى كلمة على هامش القمة الثانية، مؤكدا إقامة مشاريع «تتسم بالشفافية» و«قابلة للاستمرار».
رد الفعل الأمريكى متوقع، حيث تخوض الولايات المتحدة حربا تجارية، متعددة الاتجاهات مع الصين، ومع أوربا حيث فرضت رسوما إضافية على واردات أمريكا وردت أوربا والصين بالمثل. وتعرف الصين وجود هذا التناقض وتلعب على وتر المصالح لعلمها أن أوربا لا يمكن أن تفوت فرصا تدعم مصالحها.
من هنا يمكن النظر إلى أن أوربا تتحرك باتجاه مصالحها حتى لو كانت تقترب وتتشارك مع الصين أحد اللاعبين الكبار، وهو ما تفعله روسيا التى تتحرك فى اتجاه الصين بالرغم من المنافسة فى بعض النقاط، وإذا نظرنا إلى مصر فإن التحركات المصرية هى الأخرى تتجه نحو بناء علاقات وشراكات تخدم المصالح الاقتصادية المصرية، وبالنسبة لمصر فإن موقعها الاستراتيجى يجعلها نقطة محورية مهمة فى المبادرة سواء فى الطريق البرى إلى أفريقيا وقناة السويس، ولهذا وافق الرئيس عبدالفتاح السيسى على الانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق عام 2016 وقال الرئيس، خلال لقاء مع الرئيس الصينى أثناء زيارة الأخير لمصر: «إن القاهرة سوف تستجيب بنشاط لطلب الصين بإحياء طرق الحرير، وستعمل مع الصين من أجل تحقيق مصالح مشتركة وتنمية مستقبلية».
تم تنفيذ 28 مشروعًا فى عدة دول، منها محطة طاقة شمسية فى مصر، وهناك اتجاه لإقامة خطوط سكك حديد وطرق برية.
مصر تتحرك تجاه مصالحها، وتبنى علاقاتها الخارجية مع القوى الكبرى بدقة، لهذا تبدو علاقات مصر مع الولايات المتحدة، وروسيا والصين وأوربا علاقات متوازنة، والأساس أفريقى وعربى والهدف ضمان المصالح المصرية الاقتصادية وامتلاك فاعلية سياسية تجعل القاهرة محورا مهما فى التحركات الإقليمية والدولية، مستندة لتحرك مرن يقوم على استقلال مرن فى عالم تسعى كل دولة وكل تكتل لضمان مصالح استراتيجية فى سياق علاقات متوازنة.