تقارير عديدة تتحدث منذ أشهر طويلة حول استمرار إغلاق كنائس فى كندا، فى ظاهرة غريبة من نوعها وربنا تثير ليس فقط علامات التعجب وإنما مشاعر الغيرة الدينية بالنسبة لشعوب الشرق الأوسط، هذه المشاعر هى ما دفعت ذلك الصيدلى المصرى، الذى هاجر إلى كندا عام 1995، لدفع نحو 300 ألف دولار لإنقاذ كنيسة من الإغلاق فى مدينة هينسيل بمقاطعة أونتريو، التى يمتلك فيها صيدليته.
فى مقابلة عبر الهاتف مع اليوم السابع، تحدث مايكل حداد، 58 عاما المسيحى الكاثوليكى، عن ما دفعه لإنفاق كل هذه الأموال من أجل إبقاء كنيسة إنجيلية، لا يتجاوز عدد مرتديها العشرات. متابعًا: "الأمر يتعلق بجانبين مهمين لى شخصيا، الأول هو تلك المشاعر الدينية فنعم شعرت بألم أن أرى مكان يذكر فيه أسم الله يتم إغلاقه وبيعه ليتحول إلى عمارة سكنية أو أى غرض أخر، والأمر الثانى هم أولئك العشرات الذين يحضرون الكنيسة والذين أغلبهم ممن تجاوز عمرهم الـ65 عاما ولا يستطيعون القيادة لمسافات طويلة لحضور كنيسة أخرى".
ظاهرة غلق الكنائس
وأوضح حداد، أن ظاهرة إغلاق الكنائس فى كندا تقتصر على تلك الكندية الأصل وليست التابعة للجاليات المهاجرة، لافتًا إلى أن الأمر يعود إلى ضعف التمويل والتبرعات وضعف الحضور، وهو على النقيض بالنسبة للكنائس الخاصة بالجاليات القادمة من الشرق الأوسط وهى قوية للغاية. مضيفًا أن دور العبادة فى كندا مستقلة بذاتها ومسئولة بالكامل عن نفقاتها وهناك تأمين شهرى ضخم يتم دفعه، ومن ثم تعانى الكثير من الكنائس من عدم توزان بين المدخول والنفقات، وهنا تضطر الطائفة إلى بيع بعض الكنائس التى لا يرتادها الكثيرون للإنفاق على الكنائس الأخرى.
وأضاف حداد، أن الظاهرة هى إنعكاس لموجة الإلحاد المتزايدة فى العالم وفى كندا بشكل كبير. ومع ذلك يؤكد أن الشعب الكندى متحضر للغاية ويحترم الإنسان بغض النظر عن أى انتماء دينى أو عرقى أو جنسن ويرون أن الأفضل أن نعيش ونوفر الجهود لخدمة الإنسانية، ومن ثم تذهب تبرعاتهم إلى مستشفيات السرطان والأبحاث الطبية والتبرعات الموجهة للشأن الإنسانى سواء تعلق الأمر بخدمة طبية أو تحسين التعليم والخدمات مثل المطافى والشرطة وغيرها.
شراء الكنيسة
وقال الصيدلى المصرى الذى هاجر مع زوجته إستير حنا، وهى أيضا صيدلانية وتمتلك صيدلية فى مدينة لندن فى مقاطعة أونتريو حيث يوجد منزلهما، إن خطوته أثارت الكثير من التعجب بين الكنديين وتلقى الكثير من الاتصالات من وسائل الإعلام بإعتبار الأمر غريبا. متابعًا: "هينسيل بلدة صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها 1500 شخص، عدد منهم استغرب من خطوتى لكنى أردت مساعدة أولئك الناس الذين أعمل بينهم منذ سنوات ولم أرى منهم سوى كل الود".
"صيدليتى على بعد 10 دقائق من الكنيسة.. أسكن فى لندن على بعد 55 كيلو عن هنسيل، ولكنى أعمل هنا 6 أيام اسبوعيا، فأصبح الأمر بالنسبة لى عشرة وأعرب الناس كلها تقريبا وهم قريبين منى جدا، وكان على أن اقدم خدمة لأولئك الذين يذهبون لهذه الكنيسة.. كما اننى شخص مصرى وتربيت على التمسك بالعبادة والكنيسة".
الجاليات العربية والإسلامية
اشترى حداد الكنيسة التابعة للكنيسة المتحدة، بـ250 ألف دولار وأنفق 50 ألف دولار على بعض الإصلاحات التى كانت تحتاجها، إذ سيتم افتتاحها فى أبريل الجارى فى احتفال يشارك فيه ممثلين عن الجاليات العربية، الذين أغلبهم من المسلمين، كما أعرب عن آماله أن يشارك السفير المصرى أو أيا من فريق السفارة المصرية فى الاحتفال.
وأوضح حداد، نه تلقى الكثير من المكالمات الهاتفية من أصدقائه ومعارفه من الجاليات العربية والإسلامية فى لندن، حيث يعيش مع أسرته، يشكروه على الخطوة كتشجيع للتمسك بالدين، كما عرضت كنائس التابعة للجاليات القادمة من الشرق الأوسط المساعدة.
واستطرد الصيدلى، الذى يفضل تعريفه بالمصرى، حديثه قائلًا: "لولا الجاليات المصرية والعربية التى تشجع الناحية الدينية والروحية ربما كان الوضع أصبح أكثر تراجعا.. فمسيحيين أو مسلمين نتمسك بالعبادة والدين". ومع ذلك، يرى حداد أن تمسك الكنائس العربية بالصلاة باللغة العربية أو بالطريقة الشرقية لا يشجع الكنديين على الإقبال عليها.
شدد حداد، على أن خطوته شجعت على تحريك الناحية الدينية فى هينسيل، وبدأ البعض يفكر "كيف يمكن أن نساعد"، موضحًا أنه وراعى الكنيسة سيبدأون إجراء أنشطة واجتماعات للشباب والأطفال لجذبهم إلى الكنيسة.
دور الدولة
وكشف المصرى المهاجر فى كندا، إلى أن الحكومة لا تتدخل قط فى عملية بيع أو بناء دار عبادة، فالأمر برمته يتعلق بالجانب المادى، متابعًا: "هم لا يتدخلون سلبا أو إيجابا فلا يشجعون ولا يضعون العوائق". وفيما يتعلق بمدينة لندن، وهى مدينة كندية كبيرة، يوجد 6 كنائس عربية بينهم كنيستين مصريتين، كما توجد الكثير من المساجد، خاصة عندما استقبلت البلاد 20 ألف أسرة من سوريا والعراق حيث تم بناء مساجد جديدة لهم.
وتعود أصول مايكل الحداد إلى لبنان، لكنه ولد فى مصر وكان يعيش فى الإسماعيلية، وارتبط بزميله دراسته فى كلية الصيدلة جامعة القاهرة، استير، وهى قبطية، وعندما هاجرا إلى كندا أنجبا أبنهما أندرو، الذى يدرس حاليا أيضا فى كلية الصيدلة. مضيفًا: "كنت سعيد للغاية عندما كتبت الصحافة الكندية صيدلى مصرى رغم أننى أحمل الجنسية الكندية.. فأنا أحب مصر كثيرا وازورها مع أسرتى كل عام".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة