د. محمد عبد اللطيف

إشكالية قوة المعاهدات الدولية فى الدستور

الجمعة، 05 أبريل 2019 04:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إن إدخال أى معاهدة فى النظام القانونى الداخلى للدولة يعنى تمكين المعاهدة من أن تصبح قانوناً ملزماً لجميع أجهزة الدولة، وقد ترك القانون الدولى للدول حرية الطريقة التى تعكس بها التزامها بنصوص المعاهدة فى تشريعاتها الداخلية، مثل وضع الشروط التى تضمن نفاذ المعاهدة ومنها التصديق عليها ونشرها وفق الأصول المعمول بها فى كل دولة .
 
والمتفق عليه دولياً أنه عند تعارض أحكام المعاهدة الدولية مع التشريعات الداخلية فإن الأولوية فى التطبيق تكون للمعاهدة .
 
فالفقه والقضاء الدولى مستقران على أن الأساس القانونى لإلزامية الاتفاقيات الدولية هو مبدأ سلطان الإرادة بالنسبة للدول وأن الاتفاقيات الدولية لها طبيعة اتفاقية تعاقدية رضائية أقرت الدولة بمقتضاها رضاءها بالالتزام بالمعاهدة، وعلى ذلك نصت اتفاقية ڨيينا لقانون المعاهدات عام 1969 على أن) كل معاهدة نافذة ملزمة لأطرافها عليهم تنفيذها بحسن نية وأنه لا يجوز لطرف فى المعاهدة أن يحتج بنصوص قانونه الداخلى كمبرر لإخفاقه فى تنفيذ المعاهدة)، كما أوجبت ذات الاتفاقية على الدول أن تنفذ تعهداتها بحسن نية .
 
ويستفاد ضمنياً سمو المعاهدات الدولية من ميثاق الأمم المتحدة الذى جاء فى مقدمته أنه يجب احترام الالتزامات الدولية الناشئة من المعاهدات .
 
كما قضت محكمة العدل الخاصة بالاتحاد الأوروبى) محكمة لوكسمبورج (على نفاذ قانون الاتحاد) القانون الأوروبى (والمعاهدات المنشئة له والقرارات التى تصدر من مختلف أفرع الاتحاد فى النظام القانونى الداخلى للدول الأعضاء فيها ولا تحتاج إلى اتخاذ إجراءات قانونية داخلية ومعنى هذا أنها تسمو على كل الأنظمة القانونية الوطنية، وأكدت ذلك محكمة العدل الدائمة للعدل الدولى فى قضية "المصالح الألمانية فى سيلزيا العليا البولونية" وقد سارت محكمة العدل الدولية على نفس النهج والفكر من حيث تأكيدها على أولوية تطبيق قواعد القانون الدولى الاتفاقية فى قضايا عديدة مثل قضية نوتبوم سنة 1955 بين لينخشتاين وجواتيمالا .
 
أما عن الوضع فى النظام القانونى المصرى فقد كان دستور 1954 وما تلاه من دساتير من ضمنها الدستور الحالى واضحاً فى بيان القيمة القانونية للاتفاقيات الدولية، وهى أن لها قوة القانون أى أنها بلا جدال فى مرتبة أدنى من الدستور ونص على أنه لا يجوز إبرام معاهدة تخالف أحكام الدستور .
 
والإشكالية تكمن أن الدستور أعطى للمعاهدات الدولية نفس قوة القانون الداخلى، ومرتبة أدنى من نصوص الدستور ما مفاده أنه حال صدور قانون يتضمن ضمنياً أو صراحة نصوص مخالفة للمعاهدة أو الاتفاقية يترتب على ذلك إشكالية أمام المحاكم المصرية فى النص المطبق على النزاع، وهو ما حدث عملاً على سبيل المثال بخصوص استضافة الآباء لأبنائهم فقد جاء قانون الأحوال الشخصية خالياً
من أى نص يسمح بالاستضافة فى حين أن الدولة المصرية وقعت على اتفاقيات تسمح بذلك وهو ما أدى إلى تضارب الأحكام فى هذا الشأن وأيضاً تظهر المشكلة بوضوح حال توقيع اتفاقيات تخالف الدستور وتعرض مجلس الدولة جزئياً إلى تلك الإشكالية عندما فسرت الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع به عبارة )قوة القانون (الواردة فى وصف القوة الملزمة للاتفاقيات الدولية فأوردت فى فتواها للإجابة على طلب رأى بخصوص مسألة يعارض فيها قانون وطنى لاحق لحكم وارد فى اتفاقية دولية سابقة فذكرت) أن نصوص الاتفاقية الدولية تعتبر نصوصاً خاصة بالنسبة لنصوص القانون الوطنى فهى خاصة فى معناها وخاصة فى طريقة وضعها وبالتالى فهى ليست قانوناً وإن كان لها قوة القانون وهو ما نص عليه الدستور صراحة، فلا تلغى أو تعدل إلا بذات طريقة وضعها وإلا ترتب على ذلك القول بتعديل أحكام الاتفاقيات الدولية بموجب قوانين داخلية وهو أمر غير جائز، فإذا كان المستقر عليه أن العام اللاحق من القوانين لا ينسخ الخاص السابق منها فإن النص الخاص يلزمه نص خاص مثله لتعديله، ومن ثم فلا يسوغ القول بنسخ أحكام الاتفاقية الدولية بموجب تشريع وطنى عام مراعاة لأوضاع القانون الدولى إزاء الاتفاقيات الدولية وصوناً لمصداقية الدول فى علاقاتها الخارجية.
 
لذلك نرى إدخال تعديل دستورى يتناغم مع المستقر فى الفقه والقضاء والقانون الدولى ينص فيه صراحة على سمو المعاهدات الدولية المصدق عليها من الدولة المصرية على التشريعات الداخلية وأيضاً إضافة اختصاص إلى المحكمة الدستورية العليا يمنحها حق مراجعة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية قبل التصديق عليها ورقابتها فى هذا الشأن سوف تكون رقابة سابقة لسببين أولهما أن الدستور حظر إبرام أى معاهدات أو اتفاقيات دولية مخالفة له وثانيهما أن الدولة ملتزمة أمام الدول الأخرى الموقعة على الاتفاقية باحترامها ولن يستساغ التعلل بعد ذلك بعدم احترام نصوص الاتفاقية أو عدم إنفاذها لمخالفتها للدستور .
 
ورقابة المحكمة الدستورية سوف تقتصر على ما هو قانونى فقط ولن تتعرض لما هو سياسى، فليس لها تقدير الملاءمات السياسية لتعلق ذلك بأعمال السيادة وتكون حدود مراجعتها الدستور والقانون.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة