فى الوقت الذى يعانى فيه العالم من الآثار الضارة لمواقع التواصل الاجتماعى من نشر للأكاذيب وترويج للمحتوى الضار والعنف والإرهاب، تتخذ أوروبا موقفا متشددا فى التعامل مع هذه المنصات فى محاول للحد من مخاطر على الأمن وعلى المجتمع فى دول القارة العجوز.
ففى بريطانيا، تعتزم الحكومة تشديد القيود على المسئولين التنفيذيين لمواقع السوشيال ميديا ومحاسبتهم شخصيا عن الآثار السلبية لما ينشر على منصاتهم. حيث كشفت صحيفة "الجارديان" عن خطط للحكومة البريطانية، من المتوقع نشرها يوم الاثنين المقبل، تتضمن إصدار تشريع يفرض التزاما قانونيا على مديرى شركات السوشيال ميديا، على أن يتم مراقبته من قبل جهة تنظيمية مستقلة. ومن المرجح أن يتم تمويله من خلال فرض ضريبة على الشركات الإعلامية.
أما الجهة التنظيمية، فمن المحتمل أن تكون فى البداية أوفكام (هيئة تنظيم الاتصالات فى بريطانيا)، ولكن على المدى الطويل ستكون هناك هيئة جديدة لديها سلطة فرض غرامات كبيرة على الشركات التى تنتهك القانون، وتحمل المسئولين التنفيذيين المسئولية الشخصية.
وقالت الجارديان إن هذه الخطط تأتى فى الوقت الذى يوجد فيه قلق متزايد بشأن دور الإنترنت فى نشر المواد التى لها علاقة بالإرهاب وانتهاك حقوق الأطفال والأذى الذاتى والانتحار، وواجهت الحكومة البريطانية ضغوطا للتحرك إزائها. وقد زاد النقاش فى الأشهر الأخيرة بسبب قضية المراهقة البريطانية مولى راسيال التى انتحرت بعد مشاهدتها لصور إيذاء النفس على مواقع التواصل الاجتماعى، وأيضا بعد حادث إطلاق النار على مسجدين فى نيوزيلندا، والذى قام فيه مرتكب الهجوم ببثه مباشرة على فيس بوك.
وكانت الفتاة البريطانية راسيل قد انتحرت فى عام 2017 وهى فى عمر الرابعة عشر، وأطلق والدها حملة هذا العام لتسليط الضوء على حقيقة أن الأذى الجسدى والانتحار يتم الترويج له على نطاق واسع على انستجرام، وهى الحقيقة التى شعر بأنها ساهمت فى وفاتها.
ولا يقتصر الموقف البريطانى المتشدد إزاء مواقع التواصل الاجتماعى على نشرها للمحتوى الضار فقط، بل لاختراقها خصوصية المستخدمين. ففى الشهر الماضى، اتهم أعضاء بالبرلمان "فيس بوك" بانتهاك قوانين خصوصية البيانات والمنافسة، وذلك فى تقرير عن تضليل الموقع قال أيضا إن رئيس مجلس إدارة عملاق السوشيال ميديا مارك زوكربيرج قد أظهر ازدراءً للبرلمان بعدم الظهور أمامهم للإدلاء بشهادته.
وقالت لجنة الثقافة والإعلام والرياضة بالبرلمان البريطانى فى تقرير لها إن مجموعة هائلة من إيميلات فيس بوك الداخلية التى راجعتها أظهرت أن منصة التواصل الاجتماعى قد انتهكت عن عمد قوانين المنافسة وخصوصية البيانات.
ووفقا للجنة، فإن وثائق أطلعت عليها أظهرت أن فيس بوك كان على استعداد لتجاوز إعدادات الخصوصية الخاصة بمستخدميه من أجل نقل البيانات إلى مطورى التطبيقات. كما قال المشرعون البريطانيون إن الوثائق أظهرت أن الشبكة الاجتماعية استطاعت تجويع بعض مطورى البيانات وإجبارهم على ترك العمل.
من ناحية أخرى، تمثل إعلانات فيس بوك مصر قلق رئيسى للسلطات فى الدول الأوروبية سواء بسبب سياسات الاحتكار أو لتوجهاتها السياسية. ففى فرنسا، أكد وزير المالية الفرنسى برونو لومير اليوم الجمعة على إصرار بلاده على فرض ضريبة أكبر على شركات التكنولوجيا، برغم التحذيرات الأمريكية.
وقال لومير: "نحن مصممون على فرض ضريبة أكبر على الشركات الرقمية من أجل إضفاء مزيد من العدالة والفعالية على النظام الضريبى العالمى".
يأتى هذا رغم تصريحات وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو التى حذر فيها فرنسا من فرض ضريبة على الشركات التكنولوجية مثل فيس بوك وجوجل، حيث رأى أن الضريبة سيكون لها تأثير سلبى على الشركات الأمريكية الكبرى والمواطنين الفرنسيين الذين يستخدمونها.
وإلى جانب مسألة العدالة، فإن تأثير الإعلانات السياسية الموجهة على موقع التواصل الاجتماعى يثير القلق لاسيما مع اقتراب الانتخابات البرلمانية الأوروبية. من جانبه، حاول فيس بوك طمأنة الأوروبيين، بالإعلان عن فرض قيود صارمة على الإعلانات على منصته خلال فترة الاستعدادات لانتخابات البرلمان الأوروبى لمواجهة أى محاولات للتدخل الخارجى.
وكان "فيس بوك" تعرض لضغوط من أجل تعزيز الشفافية والمراجعات عبر منصته فى أعقاب الدعاية الروسية التى تردد أنها أثرت فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية التى جرت فى عام 2016.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة