الكفاءة والاستمرارية والعدالة والثواب والعقاب، مفردات تمثل معادلة الإدارة الناجحة، وبالرغم من بساطة هذه المعادلة إلا أنها تبدو صعبة التحقيق.
هناك اتفاق على أن أهم خطوات التقدم، هو تطوير الإدارة، وتغيير نظام اختيار القيادات بعيدا عن الثقة إلى الكفاءة، ومن المفارقات أن قانون الوظيفة المدنية يتضمن كل هذه المفردات لكنها غير مفعلة.
وبالرغم من أهمية دور الفرد فى قيادة منظومة إدارية ناجحة، تظل هناك حاجة إلى أن نستفيد من التجارب الناجحة وتحويلها إلى مدونات يتم تطبيقها لرسم منظومة كاملة تتيح تطوير الإدارة وإزالة التراكمات والتكلسات التى تعطل التقدم فى مؤسسات الدولة.
وتكشف تجربة المهندس كامل الوزير فى وزارة النقل، دور الفرد وأهمية الاختيار بناء على الكفاءة فيما يتعلق بالإدارة، حيث يقوم الوزير بإعادة تنظيم هرم الإدارة من أعلى إلى أسفل، حيث يفترض أن يحتل مواقع القيادة الأكثر خبرة وكفاءة، وأن يمارس الإدارة من بين مرؤوسيه وليس فوقهم، وهى الطريقة القديمة التى راكمت الكثير من الجمود. وقد أخرج الوزير نواب رئيس الهيئة من المكاتب إلى حيث يجب أن يكونوا بين مرؤوسيهم.
البعض يشير إلى أن الوزير السابق المهندس هشام عرفات كان يقوم بجولات، فى السكة الحديد والورش والقطارات والمترو، والحقيقة أن عرفات كان وزيرا نشيطا، لكن الوزير يتعامل مع التفاصيل الصغيرة التى تمثل ثغرات للإهمال والفساد، وهى التى تؤدى للتردى والتراجع فى الإدارة.
على سبيل المثال شكلا هناك طفايات حريق، وموضوعيا هذه الطفايات لا تعمل ولا تمارس الإدارة المختصة دورها فى المتابعة والرقابة والتأكد من التشغيل وإجراء تجارب كل فترة لاختبار العمل. وكشف الوزير أيضا أن كل نائب لرئيس الهيئة يستخدم سيارتين وأكثر وقرر الاكتفاء بسيارة، وتوزيع الباقى على مهام أخرى، والسعاة هناك خمسة سعاة فى مكتب كل قيادة، وتم إعادة توزيعهم.
وأهم ما كشفه أن الهيئات والشركات تصرف مكافآت وحوافز لمكتب الوزير، فيما يشبه التواطؤ حيث تصرف القيادات أموالا لمجرد وجودهم فى المناصب العليا وهو أمر يدخل فى نظام المحسوبية، وتم وقف هذا لفصل العلاقة بين المستويات القيادية، ووقف الإهدار فى رواتب ومكافآت المستويات الأعلى على حساب العاملين فى الميدان الفعلى، نفس الأمر فيما يتعلق بصيغة أن القيادات تحصل على رواتب وحوافز ومكافآت من دون عمل، بينما العمال والفنيون يحصلون على الأقل.
وعندما تم مضاعفة منافذ بيع التذاكر وتطبيق الغرامات، تضاعفت الحصيلة 1700%، وهو ما يعنى وقف الإهدار ومضاعفة العوائد، وبإجراءات أخرى لإغلاق الثغرات فى المخازن والمهنة والورش، يمكن إغلاق ثغرات الإهدار ومضاعفة العوائد، وساعتها يمكن تحقيق العدالة فيما يتعلق بحوافز حقيقية لمن يعمل، لأن الإدارة ليست عقابا فقط لكنها عقاب مع حوافز ومكافآت، وهو ما يصنع شعورا بالعدالة يحفز على العمل.
لقد كشف الوزير أن الثغرات تكون فى النقاط المعتمة أو المختفية، وليس فى الظاهر، وهو ما يمثل نقلة تحتاج إلى أن نحولها إلى طريقة عمل يمكن أن تنقذ الإدارة من تراكمات الجمود والتفسخ، وما كشفه الوزير عن وجود أكثر من سيارة، وأكثر من مكافأة لقيادة موجود فى كل مكان فى الحكومة، ولو تم إغلاق هذه الثغرات يتوقف الإهدار، ويتحقق وفر، وتتحقق العدالة والبداية فى اختيار الأكفأ، وإنهاء المحسوبية، والتوازن بين الحقوق والواجبات.
الأزمة فى التفاصيل الصغيرة، والنقاط المظلمة فى دهاليز الحكومة، وهى التى تسبب الإهدار، وهى أصل الحل.