حمدى رزق

من ذا الذى أغضب محمد صلاح؟

الأحد، 07 أبريل 2019 06:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عندما انطلق صلاح يعدو بالكرة، عجبًا تلاحقت أنفاس المصريين، كأنهم جميعًا يعدون خلفه، يدفعونه نحو المرمى، ويمنعون عنه المدافعين ويفسحون له الطريق سالكًا، وما إن أسكنها الشباك حتى انفجروا  صائحين زاعقين، تسلم رجليك يا حبيب والديك.
 
كبار، صغار، شيوخ، شباب، ما هذا الذى فعله صلاح ويفعله بالناس، كيف سكن قلوبهم، كيف حرك مشاعرهم، كيف صاروا جميعًا آباء لهذا الشاب، وحلمهم الصغير الذى يجرى على العشب الأخضر، هل شاهدت شعبًا يضبط مواعيده على ماتش صلاح، هل شاهدت شعبًا يدعو فى نفس واحد أن يفك النحس عن أبوصلاح ويرزقه هدفًا يعيده إلى الواجهة، ويضعه مجددًا فى الصورة، ربما فى حياتى القصيرة لم أرَ مثل هذا الحب، كل هذا الحب؟
 
ناموا راضين بعد أن اعتدل المزاج وراق، معلوم حزن صلاح يحزنهم، وفرحه يفرحهم، وصيامه عن التهديف يعذبهم، وإذا ضيق عليه الخناق يخنقهم، وإذا فشل فى التهديف يلتمسون له ألف عذر، وإذا سجل زملاؤه فى الفريق أحالوا تسجيلهم إلى عبقرية صلاح حتى لو لم يشارك فى اللعبة بجهد، صلاح استولى على شغاف القلوب إلا من كان فى قلبه مرض.
 
الظاهرة محمد صلاح تعدت حدود ملعب كرة القدم، صار ظاهرة مصرية تحتاج إلى تفسير علمى، أو نعتمدها ظاهرة طبيعية كالغيث يفرح البسطاء، صلاح حالة مصرية تسترعى الانتباه، حجم الاهتمام بأخبار صلاح ظاهرة إلكترونية، صلاح تريند دوما، سجل أو أخفق، حزن أو اغتبط، العيون لا ترى سوى صلاح فى الملعب، ومنى عين المصريين أن يسجل صلاح دومًا.
لم أرَ فى حياتى شعبًا بالكامل يدعو لابنه البار هكذا، ربنا يفك نحسه، هكذا اجتمعوا على أن محبوبهم منحوس، وصدقوا الحكاية التعيسة، وتبارى معلقو الكرة فى تكريس النحس الذى يلازم صلاح ويحسبونها بالدقيقة والثانية، صلاح صام عن التهديف 830 دقيقة فى ثمانى مباريات ووقف المحللون على صيامه، الصيام الأطول للفرعون، متى يجرح صيامه، واستفاضوا فى شرح أسبابه، ولكنهم أبدًا لم يلوموا صلاح، يعزون صيامه لأسباب قدرية أو خططية أو أنانية من رفاق الملعب فى ليفربول، مع دعوات بالتوفيق دومًا .. عجبًا يغفرون لصلاح كل شىء وأى شىء حتى لو أضاع ضربة جزاء فى مباراة مصيرية، لا يرون أخطاء صلاح، فقط يرون صلاح.
 
 معلقون يتبارون فى وصف جمال صلاح، ومحللون لا يتوقفون عن كيل المديح لصلاح، ويدخلون جميعًا قلوب المصريين من باب صلاح الملكى، ومن يحب صلاح يحبه المصريون، صلاح استولى على الأفئدة جميعًا.
 
طوال صيام صلاح عن التهديف، وصيامنا وغيرنا من المحبين عن الكتابة عن صلاح حتى يفيق من غفوته التهديفية، وجدها نفر عقور فرصة لنهش لحم الفرعون الصغير، وتوالت فسفسات المنفسنين وتغريدات البوم على شجر تويتر، وعاد «حديث الفقاعة» التى انفجرت وصارت سرابًا، تطل فى ثنايا مقالات وتحليلات وحكايات، حزب أعداء محمد صلاح يفكرك، ويفكر الأستاذ مفيد فوزى، بحزب أعداء العندليب الأسمر، حاولوا الغلوشة على حليم وهو يغرد بـ«قارئة الفنجان» وما أفلحوا فى إسكاته، شغلهم فنا، وأطربهم حتى الثمالة، مثلهم اجتهدوا فى الإجهاز على صلاح فى صيامه وتمنوا أن يطول فيلفه النسيان.
 
 عاجلهم صلاح بهدف على طريقة أهداف «الرجبى» الشهيرة، تخيل المشهد الملعب كله بلاعبيه وحكامه وجمهوره يجرى وراء صلاح، وهو وحده يحوز الكرة، يخضعها يسيطر عليها تحت قدمه، مربوطة بحذائه، ثم يسكنها فى الزاوية البعيدة، جووول صادم، صدم صلاح كل المشككين، وعاقب الحاقدين، وعلم عليهم جميعا، صلاح خلع فانلته ووقف متحديا، ينظر إليهم نظرة الفرعون المتوج، أنا الفرعون، أنا ملك الأنفيلد، أنا مو، وإذا كنتم لا تعرفونه هأنذا صلاح ابن نجريج الطيبة، من ذا الذى أغضب صلاح فنظر إليه متحديًا؟









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة