أكرم القصاص - علا الشافعي

وائل السمرى

الرجعية الثورية

الإثنين، 08 أبريل 2019 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
علماء اللغة يعرفون البلاغة بأنها مطابقة الكلام لمقتضى الحال، وهو أمر كان الخطباء والمفوهون من أهل السياسة والرأى يراعونه تماما، فلا يقول أحد شيئا خارج السياق، ولا يستدعى أحد مفردة فى غير مكانها، ولهذا كانت البلاغة سلاح السياسى، وكانت الخطابة أهم أسلحة النضال، والجريمة الكبرى التى كان المستبدون يرتكبونها هى المنع من الخطابة أو فرض الرقابة على المطبوعات، وفى بعض الأحيان كان النفى سلاحا فعالا، ليس من أجل عقاب المنفى وإنما من أجل منعه من الحديث إلى الجماهير، وهى عقوبة لم يحظ بها إلا الذين كانوا يتمتعون بالبلاغة ويتقنون فن القول، ولا عجب فى أن تختفى هذه العقوبة حينما خفتت البلاغة وأصبح ما يقوله السياسى أشبه بما يقوله «السائس».
 
منذ فترة جمعتنى الصدفة مع أحد الكوادر السياسية المحسوبة على «ثورة يناير» ولأنه «كادر» حقيقى، ولأنى ألتمس فيه قدرا كبيرا من الصدق والإخلاص، بادرت بسؤاله: هل تؤمن معى بأن الظروف الجديدة تتطلب خطابا جديدا؟ قال نعم. فقلت له: إن كنت كذلك فلماذا يعيد بعض المنتمين إلى ثورة يناير ذات المقولات التى استهلكها الكبير والصغير، المخلص والعميل، الزائف والأصيل؟ ثم ضربت له أمثلة بالعديد من المفردات التى صارت كالعملة الممسوحة من كثرة استعمالها، ففقدت قيمتها، وتدنست معانيها.
 
الآن يعيد البعض استخدام هذه المفردات، بحسن نية وبسوء، غير مدركين أن ما كان يؤثر فى الناس منذ ثمانى سنوات لم يعد صالحا للاستخدام المنطقى، ولم يعد كذلك صالحا للاستهلاك السياسى، تغيرت الأحوال ولم تتغير العقول، اختلفت الدنيا ولم تختلف الكلمات، ماتت رموز حملت هذه المعانى الثورية النبيلة فعليا وإكلينيكيا وأخلاقيا وسياسيا، بينما لم يمت استخدام هذه الشعارات الرنانة التى أصبحت تستدعى قاموسا من الأحداث والأهوال والذكريات المؤلمة، أمريكا لم تعد أمريكا، وليبيا لم تعد ليبيا، وسوريا وإيران والسعودية والسودان والجزائر وفرنسا وإنجلترا والاتحاد الأوربى وروسيا والصين وكوريا الشمالية وحتى كوبا والفلبين، تغيرات مهولة حدثت فى العالم، تغيرات جذرية وقعت فى المحيط العربى والإقليمى، ومع هذا يطنطن البعض بشعارات اعتلاها الصدأ ودنسها وضاعة الاستخدام، وهكذا نبهر العالم مرة ثانية بالجمع بين الثورة والرجعية فى آن واحد، فسبحان من قسم الأرزاق والعقول.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة