بالرغم من التشابك والتعقيد فى المشهد الليبى يظل العنصر الحاسم فيما يجرى هو الشعب الليبيى نفسه، الذى يعانى من ميليشيات أغلبها هبط إلى ليبيا مستفيدا من حالة الفوضى. وإذا كانت الأطراف الدولية تتحدث عن أهمية الحل السياسى فإن هذا الحل يختلف لدى كل طرف حسب موقعه ومصالحه، وهو أمر يدركه الجيش الليبى الذى يتحرك لمواجهة جيوب وتنظيمات إرهابية تعرقل الحل السياسى، وتحرص على استمرار الفوضى.
الاتحاد الأوروبى يبدى قلقا من الحرب فى ليبيا، لكن هناك إدراكا للخلافات بين أعضاء الاتحاد الأوروبى بشكل واضح خاصة فرنسا وإيطالييا، وهو ما يجعل من الصعب التوصل لقرار دولى بشأن ليبيا خلال فترة قريبة.
وحتى مجلس الأمن هو الذى أعطى غطاء للولايات المتحدة وحلف الناتو لضرب ليبيا وتركها نهبًا للميليشيات الإرهابية، وباعتراف رئيس الوزراء البريطانى السابق ديفيد كاميرون فقد كان التدخل الغربى فى ليبيا خطأ، خاصة أن الحلف ترك ليبيا فى فوضى بعد إسقاط مؤسساتها، مثلما جرى فى العراق، ومع أن مجلس الأمن يعلن دعوته لحل سلمى، فداخل المجلس مصالح وتحركات متعارضة، بريطانيا تواصل مهاجمة أى محاولة للوحدة، وتشن هجوما على الجيش الليبى، وتتجاهل الميليشيات الإرهابية. بينما يدور تنافس علنى بين فرنسا وإيطاليا حول النفوذ والنفط الليبى، حيث تعتبر إيطاليا أنها الأحق بالتواجد فى ليبيا المستعمرة السابقة. أما الموقف الأمريكى والروسى لا يتوقع أن يتجه نحو حسم أى قرار، حيث تواصل الولايات المتحدة نفض يديها من الأزمات الإقليمية ولا تبدى حماسا لتدخل مباشر، ونفس الأمر فيما يتعلق بالموقف الروسى الذى يقيم علاقات مع كل الأطراف.
وهذه المواقف يبدو أن المشير خليفة خفتر يدركها، ويعلم أن نجاحه يرتبط بالسرعة، وحجم ما يمكن أن يقدمه فى مواجهة التنظيمات الإرهابية، بما يمكن أن يمهد لأى حل سياسى، وفى المقابل لم ينجح السراج فى تبرير الدفاع عن استمرار الميليشيات الإرهابية، وهو أمر يبدو مثيرا لغضب الشعب الليبى الذى راهن على نجاح اتفاق أبوظبى فى فبراير، ويراهن على انتهاء كابوس الميليشيات المسلحة الذى يسهل نهب ثروات ليبيا ويعطل الانتقال السياسى طوال سبع سنوات.
وقد ظهر فايز السراج ووجه كلمة إلى الشعب الليبى، من منصة حزب العدالة والبناء «جماعة الإخوان المسلمين» تكشف انحيازه إلى الميليشيات التى تقاتل الجيش الوطنى الليبى، والتى سبق واتهمها السراج نفسه بأنها اختطفت الدولة. لكنه حسب محللين ليبيين كشف عن موقعه من تحالف يعمل ضد الوحدة الليبية، وهو ما يثير غضبا شعبيا.
ويفسر موقف قطر وتركيا الذى تعكسه قنوات الجزيرة وتوابعها فى تركيا، ترفض أى تغيرات على الأرض، خاصة أن قطر ربما كانت تطمح فى أن تشرك العصابات المسلحة للقاعدة وداعش فى العملية السياسية، وتعتبر الفوضى فى ليبيا تسهل توفير ملاذات لفلول داعش الذين هربوا من سوريا والعراق، وتم نقلهم إلى ليبيا. وهنا يمكن تفهم الموقف القطرى الداعم للميليشيات، لدرجة أن قناة الجزيرة تصف الإرهابيين بالثوار، وتروج لهم باعتبارهم أطرافا فى العملية السياسية، وأغلبهم أجانب لا علاقة لهم بالشعب الليبى.
وقد فشلت الجزيرة وتوابعها فى مواجهة التقارير والصور والفيديوهات التى كشفت مخازن السلاح واعترافات دواعش وإرهابيين بالدور القطرى والتركى فى ليبيا طوال سنوات، حيث ظهرت فيديوهات لمخازن سلاح ترتبط بداعش والقاعدة مع وثائق تثبت علاقته بقطر.
أوروبا تدرك أيضا خطورة استمرار الفوضى فى ليبيا، وتأثيرها على الهجرة غير الشرعية، وأيضا الخوف من انتقال الإرهابيين إلى أوروبا عن طريق الحدود المفتوحة أو بمعرفة التنظيمات الإرهابية.
كل هذه التفاصيل تجعل من الصعب توقع صدور قرار أممى خلال فترة قريبة بما قد يعنى استمرار الوضع الحالى، أو أن يحسم الجيش الليبى المعركة لصالح توحيد ليبيا، وهو أمر يجد تأييدا من الشعب الليبى، الذى قد يدعم خطوات الجيش الليبى نحو طرابلس، بما قد يعنى اقتراب إمكانية الحل السياسى، فى غياب الميليشيات التى تريد إبقاء الفوضى، ومعها جيوب تابعة للإخوان وقطر وتركيا.