من الصعب لأى محلل أو متابع للشأن العام، أن ينظر إلى ما يجرى فى مصر بعيدًا عما يجرى من حولنا فى الشرق والغرب والجنوب، ولايمكن تجاهل ما يجرى فى ليبيا أو السودان، الجزائر أو سوريا وفلسطين المحتلة. ومصر فى كل هذا طرف فاعل بحكم الجغرافيا والتاريخ والموقع. حيث يمتد الأمن القومى المصرى فى كل الاتجاهات. وعلى مصر أن تكون متيقظة لما يجرى فى كل هذه الدول. وحتى فى الشمال تنشغل أوروبا بخروج بريطانى من الاتحاد الأوروبى. هذا عالم يعاد تشكيله بالقوة أحيانًا وبالخطط والتحركات طوال الوقت.
هناك تحول واسع فى شكل ومضمون السلطة بالعالم، فى ظل ثورة معلوماتية وتكنولوجية، تتيح الكثير من الأخبار الصحيحة والكاذبة، والشائعات والتقارير المضللة، وهى حروب تتوازى مع حروب السلاح، وترتبط بأشكال جديدة لايمكن تجاهلها، أو إنكارها تتداخل معها أجهزة الإعلام الإقليمية والدولية، ومواقع التواصل، وتتضمن بجانب الحرب التقليدية هجمات متنوعة تستخدم فيها الأخبار المكذوبة والمضللة.
ولا يحتاج المرء إلى تبنى نظرية المؤامرة، فالأمر يدخل فى سياق خطط وتقسيمات كانت تبدو حتى وقت قريب نوعًا من الخيال، لكنها صارت حقيقة فى ظل انفجارات بدت فى سياق طبيعى وحراك عادى، لكنها اتخذت اتجاهات مختلفة، خاصة مع وجود تنظيمات وجماعات متطرفة، تخوض هذه الحروب بالوكالة على الأرض، تساندها كتائب دعائية، ويسهل استعمال هذه التنظيمات لكونها تحتقر فكرة الوطن والأرض. ويدين بعضهم بالولاء لتركيا أكثر مما يدينون لأوطانهم.
وتفرض تطورات الأوضاع فى سوريا أو ليبيا أو السودان نفسها على الدولة فى مصر، من باب الجيرة والمصالح المتداخلة والمتقاطعة المباشرة وغير المباشرة لشعوب هذه الدول. وربما تكون السنوات الأخيرة كانت كاشفة بشكل أكثر عن تداخل العلاقات العربية بشكل يتجاوز الحديث عن القومية إلى الحديث عن المصائر المشتركة.
ولا يمكن تجاهل الأحداث فى ليبيا، منذ سقوط القذافى، وتفكك الدولة، الأمر الذى أتاح لعشرات التنظيمات الإرهابية أن تتمركز مع تدفق ملايين من قطع السلاح، ومحاولات تقسيم ليبيا وفصل شرقها عن غربها.
وخلال سبع سنوات جرت عمليات نهب واسعة لثروات الشعب الليبى عبر وكلاء الإرهاب، حيث تمثل هذه التنظيمات مثل داعش والقاعدة وتنظيم الإخوان وعشرات التنظيمات والعصابات المسلحة مصالح الممولين مثلما كان الوضع فى سوريا والعراق. حيث تمثل ليبيا أحد الملاذات المحتملة للدواعش الفارين من الشام.
بالطبع فإن ما يدور فى غرب مصر يؤثر بشكل كبير فى سياقات الحالة الأمنية والجيوسياسية. مثلما يؤثر فى جارات ليبيا تونس والجزائر. حيث تمثل التنظيمات الإرهابية خطرًا محتملًا على هذه الدول، فضلًا عن ما يمثله الإرهاب من تهديد متعدد للاستقرار، بما يمنع أى تطور سياسى أو ديموقراطى، وبالتالى فإن الحديث عن عملية سياسية تعيد لليبيا استقرارها، لايمكن أن يتم من دون التخلص من التنظيمات الإرهابية المتعددة، والتى يديرها أجانب تابعون لدول مثل قطر أو تركيا.
والنتيجة أن الشعب فى ليبيا الغنية بالنفط، يحتاج إلى استعادة سلطة الدولة، حتى يسترجع السيطرة على ثرواته، وتمثل استعادة سلطة الدولة النقطة الأهم فى أى بناء سياسى أو اقتصادى مستقبلى، وهو استقرار لايمكن أن يتحقق فى ظل بقاء ميليشيات إرهابية تسرق ثروة الشعب، ونخبة سياسية عاجزة عن التوافق على هذه المطالب الأساسية.
ومن ليبيا إلى سوريا والعراق وفلسطين واليمن والسودان، فإن كل هذه التفاصيل تلقى بظلالها على تحركات الدولة المصرية، وسط كرة لهب تتدحرج وتؤثر فى تفاصيل وخرائط المنطقة والعالم.