نواصل اليوم الخامس من شهر رمضان سلسلة "آية و5 تفسيرات"، ونتوقف عند قول الله تعالى فى الجزء الخامس من القرآن الكريم فى الآية رقم (49) من سورة النساء وفيها "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً".
تفسير الطبرى
فى تأويل قوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ألم تر، يا محمد بقلبك، الذين يزكون أنفسهم من اليهود فيبرِّئونها من الذنوب ويطهرونها.
واختلف أهل التأويل، في المعنى الذي كانت اليهود تُزَكي به أنفسها.
فقال بعضهم: كانت تزكيتهم أنفسَهم، قولهم: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ .
*ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يُظلمون فتيلا "، وهم أعداء الله اليهود، زكوا أنفسهم بأمر لم يبلغوه، فقالوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ. وقالوا: "لا ذنوب لنا".
تفسير ابن كثير
قال الحسن وقتادة: نزلت هذه الآية ، وهي قوله: (ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم ) في اليهود والنصارى، حين قالوا: (نحن أبناء الله وأحباؤه).
وقال ابن زيد: نزلت فى قولهم: (نحن أبناء الله وأحباؤه) [ المائدة: 18 ]، وفى قولهم: (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ) [ البقرة: 111 ] .
وقال مجاهد: كانوا يقدمون الصبيان أمامهم في الدعاء والصلاة يؤمونهم ، ويزعمون أنهم لا ذنب لهم .
وكذا قال عكرمة ، وأبو مالك . روى ذلك ابن جرير .
وقال العوفي ، عن ابن عباس في قوله (ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم ) وذلك أن اليهود قالوا: إن أبناءنا توفوا وهم لنا قربة ، وسيشفعون لنا ويزكوننا ، فأنزل الله على محمد [ صلى الله عليه وسلم ] (ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا ) رواه ابن جرير .
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن مصفى ، حدثنا ابن حمير ، عن ابن لهيعة ، عن بشر بن أبي عمرو عن عكرمة ، عن ابن عباس قال: كانت اليهود يقدمون صبيانهم يصلون بهم ، ويقربون قربانهم ويزعمون أنهم لا خطايا لهم ولا ذنوب . وكذبوا . قال الله [ تعالى ] إني لا أطهر ذا ذنب بآخر لا ذنب له " وأنزل الله: (ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم )
ثم قال: وروي عن مجاهد ، وأبي مالك ، والسدي ، وعكرمة ، والضحاك - نحو ذلك .
وقال الضحاك: قالوا: ليس لنا ذنوب ، كما ليس لأبنائنا ذنوب . فأنزل الله ذلك فيهم .
وقيل: نزلت في ذم التمادح والتزكية .
وقد جاء في الحديث الصحيح عند مسلم ، عن المقداد بن الأسود قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحثو في وجوه المداحين التراب .
تفسير البغوي
قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم ) الآية ، قال الكلبي: نزلت في رجال من اليهود منهم بحري بن عمرو والنعمان بن أوفى ومرحب بن زيد ، أتوا بأطفالهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد هل على هؤلاء من ذنب؟ فقال: لا قالوا: ما نحن إلا كهيئتهم ، ما عملنا بالنهار يكفر عنا بالليل ، وما عملنا بالليل يكفر عنا بالنهار ، فأنزل الله تعالى هذه الآية . .
وقال مجاهد وعكرمة: كانوا يقدمون أطفالهم في الصلاة ، يزعمون أنهم لا ذنوب لهم ، فتلك التزكية .
وقال الحسن والضحاك وقتادة ومقاتل: نزلت في اليهود والنصارى حين قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه ، " وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى " (البقرة - 111 ) وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: هو تزكية بعضهم لبعض ، روى طارق بن شهاب عن ابن مسعود قال: إن الرجل ليغدو من بيته ومعه دينه فيأتي الرجل لا يملك له ولا لنفسه ضرا ولا نفعا فيقول: والله إنك كيت وكيت!! ويرجع إلى بيته وما معه من دينه شيء ، ثم قرأ: " ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم " ، الآية . قوله تعالى: (بل الله يزكي ) أي: يطهر ويبرئ من الذنوب ويصلح ، (من يشاء ولا يظلمون فتيلا ) وهو اسم لما في شق النواة ، والقطمير اسم للقشرة التي على النواة ، والنقير اسم للنقطة التي على ظهر النواة ، وقيل: الفتيل من الفتل وهو ما يجعل بين الأصبعين من الوسخ عند الفتل .
تفسير الجلالين
ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم وهم اليهود حيث قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه أي: ليس الأمر بتزكيتهم أنفسهم بل الله يزكي يطهر من يشاء بالإيمان ولا يظلمون ينقصون من أعمالهم فتيلا قدر قشرة النواة.
التفسير الوسيط لـ طنطاوى
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ، بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا. انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً.
روى المفسرون في سبب نزول هاتين الآيتين أن رجالا من اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم بأطفالهم فقالوا: يا محمد هل على هؤلاء ذنب؟ فقال: لا. فقالوا: والله ما نحن إلا كهيئتهم.
ما عملناه بالنهار كفر عنا بالليل، وما عملنا بالليل كفر عنا بالنهار» .
ولقد حكى القرآن عن اليهود أنهم قالوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً.
وحكى عنهم أنهم كانوا يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا.
وحكى عنهم وعن النصارى أنهم قالوا: نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ.
والاستفهام في قوله- تعالى- أَلَمْ تَرَ للتعجب من أحوالهم، والتهوين من شأنهم حيث بالغوا في مدح أنفسهم مع أنهم كاذبون في ذلك.
وقوله يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ من التزكية بمعنى التطهير والتنزيه عن القبيح. والمراد بهذا التعبير هنا: أنهم يصفون أنفسهم بالأفعال الحسنة، ويمدحونها مدحا كثيرا، مع أنهم لا يستحقون إلا الذم بسبب سوء أقوالهم وأفعالهم.
والمعنى: ألم ينته علمك يا محمد إلى حال هؤلاء اليهود الذين يمدحون أنفسهم ويثنون عليها مختالين متفاخرين مع ما هم عليه من الكفر وسوء الأخلاق؟ إن كنت لم تعلم أحوالهم أو لم تنظر إليهم فها نحن نكشف لك عن خباياهم لتتعجب من سوء أعمالهم وليتعجب منهم كل عاقل.
وقوله بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ إبطال لمعتقدهم بإثبات ضده، وهو أن التزكية شهادة من الله ولا ينفع أحدا أن يزكى نفسه، وإعلام منه- سبحانه- بأن تزكيته هي التي يعتد بها لا تزكية غيره، فإنه هو العالم بما ينطوى عليه الإنسان من حسن وقبح، وخير وشر.
وقوله وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا بيان لكمال عدله- سبحانه- وأنه لا يظلم أحدا من خلقه لا قليلا ولا كثيرا.
والفتيل: هو الخيط الذي يكون في شق النواة. وكثيرا ما يضرب به المثل في القلة والحقارة.
أى أن هؤلاء الذين يزكون أنفسهم بغير حق يعاقبون على هذا الكذب بما يستحقون من عقاب عادل لا ظلم معه لأنه- سبحانه- لا يظلم أحدا من عباده شيئا بل يجازى كل إنسان بما هو أهل له من خير أو شر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة