تناولنا فى مقالنا أمس، السر وراء عدم تسجيل أى شاهد أثرى لقصص الأنبياء فى معظم تاريخ الشعوب القديمة، رغم ثراء قصص الأنبياء فى الكتب المقدسة، وفى مقدمتها القرآن الكريم، وأكدنا عدم التشابه بين ما ورد فى القرآن الكريم، وبين ما دونته الشواهد الأثرية، ومراجع التاريخ، إلا أن الانتصار دائما وأبدا للقرآن، لأنه هو الحق الذي يجب أن يتبع، وأن تصحح الدراسات التاريخية بناء عليه.
ونطرح اليوم السؤال الأهم: أى منطقة فى مصر، عاش فيها كل من النبى يوسف، والنبى موسى، وأين القصور التى أقاما فيها؟ لأن القرآن لم يحدد المكان على وجه الدقة، وكما ذكرنا، فإن كل الشواهد التاريخية لم تذكر شيئا من الأصل عن الأنبياء بشكل عام، ونبيا الله، يوسف وموسى، على وجه التحديد.
لذلك فإن المكان الذى ألقت فيه أم موسى طفلها فى اليم «النهر» غير محدد مكانه على وجه الدقة، خاصة إذا وضعنا فى الاعتبار، ووفقا لما ذكره القرآن، أن ماء النهر جرف الطفل حتى قصر الفرعون، ومن ثم فإن القصة لها شقان، الأول، إلقاء الطفل فى النهر، والثانى، أن هناك قصر الفرعون الذى شهد رعرعة النبى موسى..!!
وسنتحدث عن الشق الثانى، وهو قصر الفرعون، فكل ما خلفه الفراعنة لنا من آثار عظيمة، تتلخص فقط فى أماكن للعبادة، وأماكن للدفن والأثاث الجنائزى، ولم نعثر على قصر واحد لأى ملك من ملوك الثلاثين أسرة فرعونية، لدرجة أن عددا كبيرا من العلماء والباحثين فى التاريخ، ذهبوا إلى رأى أن الفراعنة، قدسوا الموت أكثر من الحياة، فتركوا كل تراثهم المتعلق بالعبادة والعيش فى الحياة الأخرى «الأبدية» ولم يتركوا قصرا أو منزلا واحدا..!!
والقرآن الكريم، عندما تحدث عن سيدنا يوسف، وأيضا سيدنا موسى، كان الاختلاف فى توصيف الحاكم، فأشار إلى لقب «الملك›› عند حديثه عن حاكم مصر آنذاك عندما قال المولى عز وجل فى سورة يوسف: «وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ».
وفى سورة الإسراء، عند الحديث عن الحاكم فى عهد موسى، قال المولى عز وجل: «وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْألْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَه فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا».
وهنا يظهر الاختلاف فى لقب الحاكم، ما بين «الملك» فى عهد سيدنا يوسف، والفرعون فى عهد سيدنا موسى.. وخبراء وعلماء الآثار والتاريخ لهم رأى وحجة، فى هذا الاختلاف، مفاده، أن لقب الفرعون كان يطلق على «القصر» وليس الملك، وهو ما يتوافق مع قصة سيدنا موسى، عندما ألقى به فى اليم، وجرفه التيار حتى «قصر» الملك، وهو اللقب الذى انتشر بكثافة مع بداية الأسرة الثامنة عشرة، أعظم أسرة فرعونية فى تاريخ مصر.. ومن ثم فإن لقب الفرعون لم يكن معروفا قبل الأسرة الثامنة عشرة، وكان لقب الملك فقط هو المنتشر.
وهنا يمكن التأكيد على تقارب ما ذكره القرآن عن نبيى الله يوسف وموسى، فقد عاش النبى يوسف فى حقبة تاريخية، كانت مصر تمر بظروف اقتصادية واضطرابات سياسية صعبة، بينما عاش سيدنا موسى فى فترة شهدت فيها مصر رخاء وازدهارا لم تشهده عبر تاريخها، سواء من قبل أو حتى من بعد، وهى الفترة ما بين تأسيس الأسرة الثامنة عشرة، والعشرين، والقرآن أظهر تجبر «الفرعون» وثراءه الفاحش وازدهار ملكه وتجبره فى الأرض، ومن ثم دائما التخمين أن فرعون موسى هو رمسيس الثانى..!!
وللحديث بقية غدا إن شاء الله.. إن كان فى العمر بقية..!!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة