روزاليوسف .. استفزتها الصحافة فقادت نهضتها.. انتقلت من التمثيل لصاحبة الجلالة.. وبدأت الحلم "بقعدة" فى محل حلوانى .. علمت نفسها القراءة ولم تدخل مدرسة وأحدثت ثورة صحفية فى مصر والشرق الأوسط

الثلاثاء، 14 مايو 2019 03:00 م
روزاليوسف .. استفزتها الصحافة فقادت نهضتها.. انتقلت من التمثيل لصاحبة الجلالة.. وبدأت الحلم "بقعدة" فى محل حلوانى .. علمت نفسها القراءة ولم تدخل مدرسة وأحدثت ثورة صحفية فى مصر والشرق الأوسط روز اليوسف
كتبت دينا عبد العليم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لم يكن الطريق الذى سلكته روزاليوسف سهلا أو ممهدا لتصنع هذه النهضة الصحفية التى سجلت اسمها ضمن عمالقة صاحبة الجلالة، فقد ارتبط اسمها ارتباطا وثقيا بالكفاح، وعاشت حياتها من مغامرة لأخرى وفى كل واحدة من مغامراتها لم يكن أمام عينيها سوى إثبات ذاتها التى تاهت طويلا فى البحث عنها، حتى اكتشفتها بعد أن ضلت الطريق مرات.

كانت بداية اكتشافها لذاتها الحقيقة فى نهار أحد الأيام، عندما اجتمع الأصدقاء «روزاليوسف ومحمود عزى، أحمد حسن، إبراهيم خليل»، فى محل حلوانى «كساب»، الذى تشغله الآن سينما «ديانا»، ودار بينهم الحديث عن الفن وقضاياه واحتياج الفنانين إلى صحافة فنية محترمة ونقد فنى قائم على أسس ومعايير تقوض إلى نهضة حقيقية للفن والارتقاء به، وتطرق الحديث وفقا لما جاء فى مذكرات «فاطمة اليوسف»، الشهيرة «بروزاليوسف»، الذى حمل عنوان «ذكريات» وكتبته قبل وفاتها، إلى ضرورة وجود منبر صحفى فنى محترم يقف فى وجه المجلات التى تتغذى على جسد الفنانين، وتعيش كالنباتات الطفيلية عليه، «على حد تعبيرها فى المذكرات»، وبالطبع كانت القضية هما لروزاليوسف التى كانت تعمل وقتها ممثلة مسرحية، ويطالها هذا النوع من الصحافة التى لم تكن راضية عنها وفقا للحديث، ولأنها عرفت معنى الأحلام التى تأتى من العدم وتتحقق، وكذلك معنى الاعتماد على النفس والسعى على الأحلام الذى ينتهى بها إلى التحقق، فقد لمعت الفكرة فى رأسها فى ثوان معدودة، صمتت خلالها ثم قالت لزملائها: «لماذا لا أصدر مجلة فنية؟»، وهنا حملق بها الزملاء مدهوشين من حديثها، لكنهم عرفوا أنها رغبة جادة تفجرت فى قلب روزاليوسف، ثم سألت صديقها «إبراهيم خليل الجالس معهم»، الذى كان يعمل فى جريدة «البلاغ»، وعلى علاقة نسب بصاحبها عبد القادر حمزة: كم يتكلف إصدار ثلاثة آلاف نسخة من مجلة «ملزمتين على ورق أنيق؟»، فأخرج ورقة وقلم وأجرى حسبة بسيطة، ثم رد عليها قائلا: «12 جنيها، وإذا بيعت كل النسخ سيكون صافى الربح فى العدد الواحد خمسة جنيهات»، وهنا تشجعت روزاليوسف وشعرت أن الأمر ممكن جدا قائلة فى مذكراتها: «بدا لى الأمر قريبا ممكنا، فالمبلغ ليس باهظا كما كنت أتوهم، والثرى الوحيد فينا هو أحمد حسن الذى كان يملك بضعة قراريط، يبيع منها كل حين قيراطا ينفق منه بسخاء، ويبدو فى مظهر الوجهاء، فهو يستطيع أن يمول العدد الأول، إن صحت حسبة إبراهيم خليل».
 
كانت روزا تعلم جيدا أهمية الوقت، لا تحب إهداره، خاصة أنه اتربط بحلم هنا يصير لكل ثانية ثمن، وهو ما طبقته على تجربة إصدار المجلة، فلم تكتف بما قيل فى جلستها مع زملائها ولكنها فى نفس الجلسة بدأت العمل الفعلى لإصدار مجلتها الفنية، فسألت زملاءها بجدية: ماذا نسمى المجلة؟ وهو السؤال الذى رد عليه الزملاء بالعديد من المقترحات بالأسماء الأدبية والعلمية والفكاهية، وللمرة الثانية فاجأتهم باقتراح غريب وهو: لماذا لا نسميها «روزاليوسف؟»، وكانت جادة فى الاقتراح أيضا، فهذا الاسم اشتهرت به وعرفه الناس، وهو اسم عزيز عليها جدا لدرجة أنها تقول فى مذكرتها «ذكريات، أحب أن أضع هذا الاسم على عمل كبير أقدمه إلى هؤلاء الناس الذين تعلقوا بى»، لكن يبدو أن كثيرا من الزملاء لم يؤيدوا هذا إلا أنهم لم يجدوا مفرا من الموافقة، وانتهت الجلسة وهنا تقول روزا فى مذكراتها: «أغلب الظن أن كل واحد من الزملاء ترك الفكرة عند باب المحل، معتقدًا أنها لا تعدو بعض أحاديث المجالس، أما أنا فقضيت ليلتى ساهرة، منتبهة الأعصاب، تعصف بى المشاعر المتفاوتة وتخطف الآمال فى صدرى كالبروق، ومع الصباح الباكر كنت فى مكتب إبراهيم خليل بجريدة «البلاغ»، املأ استمارة رسمية بطلب رخصة، ثم فى وزارة الداخلية لأقدم الاستمارة بنفسى بين الدهشة البالغة للموظفين، وفى نفس اليوم بدأت أتصل بأول المحررين الذين سيشتركون معى ومنهم الصديق محمد التابعى الذى كان موظفا فى مجلس النواب، ويكتب النقد الفنى لجريدة الأهرام وعلمت أنه فى الإسكندرية - وكان الوقت صيفا - فاتصلت به تليفونيا أدعوه للحضور للاشتراك فى تحرير مجلة «روزاليوسف»، وبالطبع لم يصدق التابعى ما يقال وظن أن روزاليوسف تسخر منه وشك أنها تدبر لها مقلب، وبدأ يحاورها ويجادلها فى الأمر ومدى جديته حتى وجد نفسه أمام ضرورة النزول إلى القاهرة ليشهد حقيقة الأمر بأم عينه، لكن روزاليوسف كانت أكثر حماسا من انتظار التابعى وحتى من انتظار صدور ترخيص وزارة الداخلية لإصدار المجلة فبدأت تذيع خبر صدور مجلة روزاليوسف الفنية، وتقول روزا: إن هذا الموقف لم يمر بسلام فقد تم استدعاؤها من محمد بك مسعود مدير المطبوعات وسألها عن نشر الخبر، وكيف أذيع نبأ إصدار المجلة قبل صدور تراخيص الداخلية، وهنا ردت عليه قائلة: «إننى غير مسؤولة عن تلكؤ الوزارة فى منح التراخيص»، بعدها بأسبوع صدر الترخيص من وزارة الداخلية بإصدار المجلة وكانت البداية.
 
لم تترك روزاليوسف أمرا إلا وفكرت فيه، تكلفة المجلة، نوعية الورق، التوزيع وهامش الربح، الترخيص، من يشترك معها فى تحرير المجلة، لكن بقى «المقر»، وهو الأمر الذى اتخذت فيه فاطمة اليوسف قرارا سريعا بأن يكون منزلها مقرا مؤقتا للمجلة، وكانت تسكن فى شارع جلال بمنزل كان يمتلكه أمير الشعراء أحمد شوقى، وكانت تعيش فى طابق مرتفع ما يعنى أن كل من يشترك فى تحرير المجلة عليه أن يصعد 95 درجة من درجات السلم الطويل قبل أن يصل إلى الإدارة»، وهنا تعلق روزاليوسف فى مذكراتها: «بدأنا نعمل لإصدار الأول بكل ما فى أجسادنا وأعصابنا من قوة، حتى انطلق الباعة صباح 26 أكتوبرعام 1925، يصيحون: «روزاليوسف.. روزاليوسف»، وهنا تقول: «بصدور العدد الأول أصبحت المجلة حقيقة واقعة.. أصبحت كائنًا حيًا أحرص عليه، وأقسم على أن يعيش بأى ثمن»، لكن المشاكل ظهرت سريعا أمام روزاليوسف وهى المشكلات التى لم تعمل لها حسابا، ولم تدرك أنها ستلاحقها بعد صدور أول عدد على الفور، وبهذا الحجم، وكانت أولى هذه المشكلات الحسبة التى رسمها لنا إبراهيم خليل كانت كالبلاغات الرسمية لا أساس لها من الصحة، والتكاليف تعدت الإثنى عشر جنيها بكثير، كما أن المتعهد لا يرد ثمن بيع المجلة إلا بعد أن يتسلم العدد التالى، وهنا تقول روزا: «كنا فى نحتاج إلى هذا الثمن لكى نصدر العدد الثانى، بعد أن أنفقنا على العدد الأول كل ما نملك وبدا الموقف أول الأمر مشكلة لاتقبل الحل، حتى نبتت فكرة توزيع اشتراكات، وطبعنا الدفاتر بسرعة، وبدأنا التوزيع وكنا نصطدم فى توزيع الاشتراكات بمصاعب كثيرة، فمن الناس من كان يرفض الاشتراك فى مجلة فنية، ومنهم من كان لا يصدق أنها ستوالى الصدور ولن تغلق أبوابها بعد عددين أو ثلاثة، وهنا تذكر روزا فى مذكراتها أنه من بين من عاونها فى توزيع الاشتراكات الدكتور محمد صلاح الدين، والممثل الكبير الأستاذ زكى رستم الذى لم يكن اشتغل بالتمثيل وقتها  والآنسة أم كلثوم دفعت اشتراكًا وأخذت بقية الدفتر لتقوم بتوزيعه على أصدقائها، وبعد معاناة توالت الإصدارت وبدأت المجلة فى الانتشار حتى ذاع صيتها وبدأت فى النمو حتى وصلت لما عليه الآن وأصبحت واحدة من أهم المجلات الفنية فى مصر.
 
«كلنا سنموت، ولكن هناك فرقا بين شخص يموت وينتهى، وشخص مثلى يموت ولكن يظل حيا بسيرته وحياته»، هكذا كانت تقول روزاليوسف التى قررت ألا يكون مرورها على الحياة مرورا عاديا، وأرادت أن تضع بصمة فى عمر التاريخ، والحقيقة أن الأمر كان غير متوقع خاصة مع حكايتها ونشأتها، حيث ولدت عام 1898 فى طرابلس اللبنانية لأبوين مسلمين هما، محمد محيى الدين اليوسف والسيدة جميلة، واسمها الحقيقى فاطمة اليوسف، وكانت طفلة تتمتع بجمل وذكاء ورقة لكنها عاشت طفولة قاسية عانت منها كثيرا، فبعد وفاة والدتها عقب إنجابها، أودعها لدى أسرة مسيحية لتربيتها مقابل أجر كريم كان يدفعه لهذه الأسرة، فى الوقت ذاته ترك مربيتها خديجة معها، وسارت الأمور على هذا النحو، يزورها والدها من حين لآخر يطمئن عليها، ويمد الأسرة بالمال الوفير، حتى جاءت اللحظة التى انقطعت فيها أخبار والدها، فبدأت هذه الأسرة فى تغيير معاملتها، فتبدل الحنان إلى قسوة، والعطاء إلى بخل، والمحبة إلى كراهية، وتغير اسمها من «فاطمة» إلى «روز» لكى يتوافق مع دين الأسرة، وذات يوم عرض أحد أصدقاء الأسرة اصطحاب روزا معه إلى البرازيل، حيث قرر الهجرة وأراد اصطحابها وافقت الأسرة وفى طريقها إلى البرازيل رست السفينة فى الإسكندرية ونزلت الصبية إلى المدينة فبهرتها أضواؤها ولم تعد إلى السفينة، وعاشت فى الإسكندرية مع أسرة إسكندر فرح، الذى عاملها كابنة من بناته، وكان يملك فرقة تمثيل واسمها فرقة «الجوق المصرى العربى»، وهنا بدأت طريق التمثيل، ثم ذهبت إلى القاهرة لتبدأ رحلتها  حيث درست الفن حتى حصلت على لقب «سارة برنارد الشرق»، كما أطلق عليها نقاد ذلك الجيل، كما أنها علمت نفسها القراءة، ولم تدخل مدرسة.  
 
 ووفقا لمذكراتها «ذكريات»، كانت روزاليوسف تتردد على المسرح وتشاهد المسرحيات إلى أن اكتشفها الفنان عزيز عيد، وأسند إليها دورا فى مسرحية «عواطف البنين»، وبالرغم من أنها كانت فتاة صغيرة كان دورها فى المسرحية جدة عجوزا، ونجحت فيه نجاحا هائلا ولم يكن هذا النجاح هو كل ما أثمرته فى تلك المسرحية، بل كان مكسبها الأكبر فى عزيز عيد نفسه، فحتى ذلك الوقت لم تكن باعترافها عرفت حنان الأبوة فعوضها عن ذلك، فعلمها بكل قواه، واشترى لها الكتب لتقرأ، وأحضر لها شيخا يلقنها دروسا فى اللغة العربية نظير خمسين قرشا فى الشهر يدفعها من جيبه، وأخذ يحدثها بالفرنسية حتى تعلمتها تدريجيا منه، وتمكنت تماما من الفن حتى قررت اعتزاله عام 1925 واتجهت إلى الصحافة للأسباب التى ذكرناها سلفا، وبعد هذا العمر وأثناء مشاهدتها فيلما فى سينما ريفولى بالقاهرة، أصيبت روزاليوسف بأزمة قلبية، لكنها تماسكت وطلبت من صديقتها التى كانت معها أن توصلها إلى منزلها وهناك ارتدت ملابس النوم ودخلت سريرها وماتت عليه بعد رحلة طويلة من الكفاح فى حياة لم تعطها سوى القليل فأخذت هى بكفاحها الكثير.
 
p.61
 

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة