بمناسبة الإعلانات، وهو نشاط لا يتعلق فقط بشهر رمضان، لكنه نشاط دائم ومستمر، والتسويق أصبح علما وأيضا نوعا من التجارة والبيزنس، ليس فقط تسويق السلع، لكن الأشخاص والأفكار، بل وأحيانا يتم تسويق سلع راكدة وتنجيم أشخاص راكدة، والتسويق لا يتوقف على التليفزيون فقط وإنما اتسع ليشمل أدوات التواصل ومواقع البحث والمواقع الإلكترونية.
وهناك سلع لم تكن موجودة من قبل ولكنها تتصدر اليوم على الإعلانات، مثل أدوات الاتصال والتقنيات، ويكفى أن تعرف أن أى شركة اتصالات تنفق على التسويق أضعاف أى شركة أخرى، وقد يرى البعض أنها شركات تبيع الهواء، لكن هذا الهواء يحقق مليارات تتجاوز ما يمكن أن يحقق مشروعا صناعيا أو زراعيا، ثم إن التسويق يقوم على العروض والإغراءات التى تجعل المستهلك يشترى ما لا يريده بظن أن يوفر أمواله بينما هو فى الواقع ينفق أكثر، ويستهلك أكثر وهو يشعر أنه وفر وحقق اقتصادا كبيرا.
والواقع أن الإعلانات لم تعد تكتفى لتسويق سلع حالية، لكنه يخلق الحاجة إلى السلعة التى يبيعها لك مستقبلا، وكان المثل يقول: «عاوز يبيع لى سمك فى مية»، بما يعنى أنه يبيع السمك قبل صيده، وهذا يحدث بالفعل مع إعلانات العقارات، فأغلبها تتحدث عن عروض مذهلة، وتخفيضات هائلة لشقق ومساكن وفيلات لم يتم بناؤها ولا وضع حجر الأساس لها، مجرد قطع أراضى فضاء، ينفق المستثمر ملايين إعلانات ليجمع ملايين أخرى يبنى منها ويسلم ويربح وكل هذا قبل أن يضع طوبة على الأرض.
واللافت للنظر أننا أمام ظاهرة مستمرة من سنوات، واللافت للنظر أن هناك ظاهرة تناولتها فى العام الماضى عندما نقارن بين الإعلانات نجد أغلبها ينصب على عروض العقارات والشقق، وفى المقابل مطالب بالتبرع لجمعيات وجهات وأنشطة خيرية للفقراء.
المشاهد يتعرض لكم من الإعلانات التى تعرض عليه شققا وفيلات وشاليهات، كلها توفر له الخصوصية والرقى العالمى الخالى من المنغصات، وتعده بجنات مترامية الأطراف، والإعلانات تتضمن أجواء رومانسية وبحيرات وشوارع وأشجارا خضراء وسحر موسيقى وشموسا وأقمارا، وكل هذا افتراضى طبعا، لأن المشروعات والكومباوندات ماتزال تحت الإنشاء، واللافت للنظر أن الإعلانات تجر عددا أو أعدادا من الزبائن، وقطعا هناك من سوف يثق فى الإعلانات ويقدم على شراء ودفع مقدم يبدو بسيطا وينمو ليتحول لقسط متضخم.
ومن المفارقات أن أصبحت هناك إعلانات عن كمباوندات تضم شقق وعقارات وشاليهات، بينما أغلبية المطريين يتابعون ما يجرى على الهواء ويقدم لهم الإعلانات عشرات ومئات الكومباوندات، وفى المقابل هناك إعلانات طلب التبرعات للمستشفيات والأعمال الخيرية التى تخاطب عقول وقلوب المشاهدين ليتبرعوا من أجل الفقراء، وهى مفارقة مستمرة من سنوات، وللافت أنها تجذب الناس فى الحالين، حيث يقبل البعض على العقارات للشراء، ويدفعوا تبرعات للجهات الأخرى، وربما يكون نفس المواطن هو ما يفعل هذا، لأنه تحت ضغط الإلحاح والتكرار لاشك أن الدعاية والإعلانات تحدث نتيجة، لأنها تقنع المرء بشراء ما لا يريده حتى لو كان «سمك فى مية».