التقرير الذى أعلنه فريق خبراء صندوق النقد الدولى بقيادة سوبير لال، رئيس بعثة الصندوق إلى مصر، الجمعة الماضى، هو شهادة قوية بأن الإصلاحات الجذرية الصعبة لمسار الاقتصاد المصرى قد نجحت وحققت معظم أهدافها فى المرحلة الأولى، خاصة فيما يتعلق بتصحيح الاختلالات الخارجية والداخلية الكبيرة، وتشجيع النمو وخلق فرص العمل، وزيادة الإنفاق الاجتماعى للفئات الأكثر احتياجا وتحسين مناخ الاستثمار.
تقرير صندوق النقد الدولى صادر عقب مراجعة برنامج مصر الاقتصادى للمرة الـ5 ويحمل مجموعة من المؤشرات بالغة الدلالة، التى تؤكد أننا نجونا من الكارثة التى كانت قريبة جدا منا، حينما كان بعض المرتزقة يعيروننا بأننا على شفا الإفلاس، وأن المؤسسات المالية ستضع بلدنا على رأس المناطق الممنوع الاستثمار بها أو التعامل معها، لكننا اليوم نتحدث وفق بيانات الصندوق عن ارتفاع نمو إجمالى الناتج المحلى من 4.2% فى العام المالى 2016 – 2017، إلى 5.3% فى العام المالى الماضى 2017 – 2018، وتراجع معدل البطالة من 12% إلى أقل من 9%، وتراجع عجز الحساب الجارى من 5.6% من إجمالى الناتج المحلى إلى 2.4%، وانخفاض إجمالى الدين العام إلى نحو 85% من إجمالى الناتج المحلى فى العام المالى الحالى 2018 – 2019، بعد أن سجل 103% من إجمالى الناتج المحلى فى 2016 – 2017، وارتفاع الاحتياطى الأجنبى لمصر، من 17 مليار دولار فى يونيو 2016 إلى 44 مليار دولار فى مارس 2019، مما يؤكد أن جميع مؤشرات الاقتصاد المصرى فى تحسن مستمر بما يدعم جذب الاستثمارات وخلق فرص العمل.
نحن نسير إذن على الطريق الصحيح والصعب فى آن واحد، وقدر هذا الجيل أن يتحمل فاتورة الإصلاح المر وعلاج الاختلالات المزمنة التى عالجها المسؤولون السابقون بمسكنات وترحيل الأزمات وعدم مواجهتها حتى لا تنفجر الجماهير فى وجوههم كما يظنون لأنهم بلا رؤية وليس لديهم خطة وطنية للنهوض، وبالتالى وصلنا إلى ما وصلنا إليه من إمبراطورية للفساد تحكم تدفقات الاستثمار الأجنبى وتعطى رجال المال الساخن فرصة للمقامرة فى مصر أو نهب أصولها بأسعار بخسة مع ميزة اللجوء للتحكيم الخارجى لنيل الغرامات الطائلة بالحجز على أرصدتنا فى الخارج.
كم كان لافتا أن تقرير صندوق النقد تناول كيف استطاع البنك المركزى ضبط السياسة النقدية بصورة ملائمة، مما ساعد على تخفيض التضخم من 33% فى يوليو 2017 إلى 13% فى إبريل 2019 رغم الصدمات العارضة المتعلقة بعرض السلع والتقلب فى أسعار بعض المواد الغذائية، من خلال الاستثمار فى البنية الأساسية والتجهيزات اللوجستية ومنشآت التخزين والبنية التحتية للنقل وتخفيض الحواجز التجارية غير الجمركية.
لكن الأهم فى التقرير ما أكد عليه خبراء الصندوق من أن مصر تسير على الطريق الصحيح لتحقيق الضبط المالى المستهدف ورفع معدل النمو بشكل تصاعدى مع تخفيض معدل الدين العام باستمرار ، وتوجيه نسبة أكبر من الموازنة لدعم الفئات الأكثر احتياجا والأكثر تأثرا ببرنامج الإصلاح، بحيث يتحقق الهدف الأكبر وهو تحقيق نمو متصاعد لمختلف شرائح المجتمع وخلق فرص العمل أمام الشباب الباحثين عن فرصة لأول مرة والذين يزداد دخولهم سوق الأعمال عاما بعد عام فى ظروف صعبة
الآمال كبيرة ومؤشرات التفاؤل لها أساس على الأرض من خلال البيانات التى تؤكد زيادة معدلات الإنتاج فى جميع المجالات والفاعلية فى إزالة الحواجز أمام الاستثمار الخارجى والتجارة، وتحسين آليات الشفافية والحوكمة، وتحسين فرص الحصول على التمويل خاصة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة وتحسين طرق إتاحة الأراضى الصناعية وتشجيع المنافسة، وزيادة شفافية المؤسسات المملوكة للدولة وتحسين إدارتها، ومكافحة الفساد الصغير والكبير.
ولنا أن نفرح فعلا بما تحقق، وأن نعرض عن الأبواق التى تروج الشائعات والدعاية السلبية الموجهة ضدنا، لكن فى الوقت نفسه علينا أن نعلم جيدا أن ما تحقق مجرد خطوة صغيرة فى مشوار طويل من العمل والإنتاج والاجتهاد فى سبيل أن نحقق أحلامنا وطموحاتنا الشخصية والعامة، وأن نعتمد منهج الابتكار والإبداع والإضافة فى كل ما ننتج، حتى نكون فى المكانة التى نرجوها لأنفسنا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة