ما زال ظهور أبوبكر البغدادى فى فيديو مصور يثير التكهنات حول سبب الظهور، خاصة أنه تزامن مع الحرب على الإرهاب فى ليبيا، مع إشارة البغدادى إلى طرابلس، فى وقت أعلن فيه الرئيس التركى رجب طيب أردوغان دعمه لميليشيات الإرهاب فى ليبيا، الأمر الذى لم يره محللون مجرد مصادفة.
ظهور البغدادى محاولة لتأكيد استمرار التنظيم، وحسب ريتشارد سبنسر فى صحيفة التايمز فإن الكثير من المحللين والدبلوماسيين يعتقدون أن البغدادى يعيش الآن إما فى غرب العراق أو فى المناطق التى تسيطر عليها الحكومة السورية، ويعتقد مسؤولون أجانب بأن التنظيم لديه نحو 15 ألف عنصر.
ويشير سبنسر إلى أن البغدادى يريد من ظهوره فى الفيديو القول إن التنظيم يريد جذب انتباه العالم إلى حملة «إرهابية» عالمية، خاصة وقد ظهر فى الفيديو مرتدياً سترة باللون الكاكى وبجانبه كلاشينكوف فى صورة تشبه الصور التى كانت تُلتقط لزعيم القاعدة أسامة بن لادن قبل قتله، ربما يكون لأنه يريد تقديم نفسه على أنه زعيم الإرهاب.
بينما يرى محللون آخرون أن البغدادى يريد الإشارة إلى أن داعش ما يزال يتلقى دعما ولديه أموال «أسلحة ومقاتلون»، يمكنهم تنفيذ عمليات إرهابية جديدة.
فقد تحدث البغدادى عن خسائر داعش فى الباغور آخر معاقله بسوريا، وتعهد بالانتقام للخسائر التى تكبدها التنظيم، وقال البغدادى: إن الهجمات التى تعرضت لها كنائس فى سريلانكا نُفذت فى إطار عمليات انتقامية ردا على خسارة التنظيم مدينة الباغور، وقال: إنه تلقى تعهدات من أنصاره فى بوركينا فاسو ومالى، كما تحدث عن الاحتجاجات فى السودان والجزائر، زاعما أن الجهاد هو الحل الأمثل لمقاومة «الطغاة»، وهو وصف يبدو مفارقا من قبل رئيس تنظيم هو الأكثر دموية وعنفا وإرهابا طوال عقود، لكن الربط بين التقاء موقف كل من البغدادى وأردوغان حول ليبيا ودعم الميليشيات الأجنبية يدعم وجهة النظر التى تربط بين داعش وتوابعه فى سوريا والعراق والرئيس التركى.
خاصة مع وجود تقارير عن عرض طرحه الرئيس التركى لنقل مقاتلى داعش المعتقلين بين أيدى قوات سوريا الديموقراطية، حيث كشفت وسائل إعلام تركية فى فبراير الماضى أن الرئيس التركى عرض على نظيره الأمريكى دونالد ترامب أن تتولى تركيا مسؤولية نقل 800 مسلح أوروبى من تنظيم «داعش» شمالى شرقى سوريا، تحتجزهم قوات سوريا الديمقراطية كانوا يقاتلون فى صفوف «داعش» ونشرت صحيفة «حرييت» التركية، أن أردوغان عرض على ترامب «بشكل مفاجئ» أن تتولى تركيا مسؤولية نقل هؤلاء المسلحين من المناطق الكردية إلى المناطق التى تسيطر عليها تركيا شمالى سوريا.
كان ترامب قد طلب من الدول الأوربية تسلم مقاتليها الدواعش، حتى لايتم اطلاقهم ، وقد رفضت المانيا وفرنسا وبريطانيا وباقى دول اوربا تسالم الإرهابيين، ولهذا جاء عرض أردوغان الذى أثار تساؤلات عن هدف أردوغان من تسلم المقاتلين، خاصة أن الصحيفة التركية لم تكشف عن مصير هؤلاء المسلحين فى حال استلمتهم تركيا، خاصة قد ظلت تركيا هى بوابة دخول وخروج الإرهابيين القادمين من دول العالم إلى سوريا والعراق، بل إن بعض جرحى داعش تلقوا العلاج فى مستشفيات إسطنبول.
وذهبت بعض التحليلات إلى أن طلب أردوغان لتسلم الدواعش المعقلين، ربما يكون جزءا من اتفاق مع التنظيم لنقلهم إلى ليبيا واستعمالهم فى دعم ميليشيات طرابلس التى تقاتل فى مواجهة الجيش الليبيى بطرابلس.
وهذه المعطيات هى التى تلفت النظر لتزامن تصربحات أردوغان التى يهدد فيها للتدخل بجانب ميليشيات طرابلس، وبين ظهور البغدادى زعيم داعش المزعوم الذى تحدث عن تلقيه مبايعات من بوركينا فاسو ومالى، فى إشارة إلى أن البغدادى يملك القدرة على تحريك الإرهابيين من هذه الدول لمساندة داعش فى ليبيا التى تمثل آخر معاقل التنظيم، بعد هزائمه فى سوريا والعراق.
الأمر الآخر فيما يتعلق بظهور داعش أنه محاولة لنفى انتهاء التنظيم، فضلا عن توجيه تهديدات إلى أوروبا، يضاف إلى ذلك أن إشارات البغدادى إلى السودان والجزائر، ربما تكون مقدمة لنقل إرهابيين إلى مناطق مختلفة من العالم، خاصة أن تجربة قيام داعش تكشف أن التنظيم يستغل الارتباكات والثغرات الأمنية مثلما جرى فى العراق وسوريا، وأن تركيا كانت وما تزال لاعبا أساسيا مع داعش والتنظيمات الإرهابية حتى لو كان أرودغان يهاجم التنظيم فى العلن، وهو ما أشار إليه الصحفى عبد الله بوزكورت، مدير موقع «نورديك مونيتور»، أمام أعضاء البرلمان الهولندى، حيث يقول: إن أردوغان كان يحذر علنا من خطر الإرهابيين، بينما يستغلهم كورقة ضغط ومساومة فى أى مفاوضات دولية، الأمر الذى يمثل تحديا لحلفاء أنقرة وشركائها، وأن حزب العدالة والتنمية الحاكم فى تركيا دعم «القاعدة» و«داعش» فى سوريا والعراق، وأمدهما بالسلاح والمال، والدعم اللوجيستى.
وهذا الربط يجدد التوقعات بتنفيذ عمليات انتحارية وإرهابية فى أى من الدول التى تتهاون فى مواجهة هذه التنظيمات وخلاياها النائمة، وأن ظهور البغدادى ربما يكون محاولة لاستعراض قوة الإرهاب.