- حسن نصر الله يستأجر جوزيف سماحة فى 2006 للحديث باسم الحزب ويمنحه 20 مليون دولار فى أول سنة
- "الأخبار اللبنانية" تستهدف تسويق الرؤية الشيعية تحت لافتة اليسار اللبنانى.. وبإشراف مباشر من طهران
- "محتشمى" يتلقى تقارير شهرية عن إعلام الحزب والصحف المتحالفة.. وينقل تعليماته من خلال نعيم قاسم
- الصحيفة تتبنى حلفاء الحزب من التيار الوطنى والماركسيين.. وتستهدف حصار حكومة الحريرى
- محررون فى صحف خاصة وقومية يكتبون لـ"الأخبار" بأسماء مستعارة مقابل 2000 دولار شهريا
- تكليفات من "نصر الله" للصحيفة باستهداف الأنظمة الكبرى فى المنطقة لعزل لبنان عن محيطه
- 10 من أسرة حسن نصر الله وأقارب "مغنية" وبدر الدين والقنطار يديرون الإعلام ويشرفون على "الأخبار"
- 270 ألف دولار شهريا لقرابة 300 متعاون مع الصحيفة فى 5 دول عربية يستهدفها الحزب
- الأزمة المالية تجبر "الأخبار" على تقليص مراسليها.. وطهران تطالب بالإبقاء على كتاب مصر والسودان والجزائر
- زيادة مكافآت المراسلين فى أغلب الدول العربية لتتراوح بين 100 و200 دولار عن التقرير الـ400 كلمة
رغم وضعيّته المُميّزة فى الداخل اللبنانى، لا يحوز "حزب الله" قبولاً واسعًا فى محيطه العربى، بل إنه يواجه رفضًا مُعلنًا من قطاعات عديدة فى المجتمع اللبنانى، فى مقدمتها النخب السياسية والثقافية والفنية، التى ترى فى ممارسات الحزب تغوّلاً على الدولة ومؤسَّساتها، واختطافًا للبنان ومقامرة بمصيره، لصالح أجندة سياسية خاصة، ترتبط للأسف باستراتيجيات طهران، وما يريده نظام الملالى للمنطقة العربية ودولها الكبرى.
تُجاور تلك الصورة محاولات دائمة من الحزب الشيعى المُرتبط عضويًّا بالملالى والمرجعيات الشيعيّة العُليا فى "قُم"؛ لاختطاف الساحة اللبنانية، وتتأسَّس عليها محاولات مُتواصلة أخرى للالتفاف على رفض النُّخَب اللبنانية للحزب، وعلى العلاقات الوطيدة التى تجمع مؤسَّسات الدولة بمحيطها العربى، وهما الأمران اللذان يعوقان خطّة "نصر الله" ورجاله لإحكام السيطرة على لبنان بشكل كامل، تمهيدًا للخروج على مُقرَّرات اتفاقية الطائف، التى تحصر الحزب وتياره الدينى فى رئاسة البرلمان، وتستبعده من رئاسة الدولة والحكومة.
وسعيًا إلى تحقيق تلك الباقة من الغايات، يحاول الحزب تمرير رسائله المُلوّنة لاختراق الساحة الداخلية، وخلخلة العلاقات اللبنانية العربية فى وجهها الرسمى، من خلال الإعلام، لكن حتى ينجح فى إنجاز المهمة كان ضروريًّا أن ينأى بإعلامه عن الأمر، لضعف تأثيره المُباشر، وانسحاب الرفض الواسع للحزب عليه، لذا كان البديل عبر إيجار وسائل إعلام أخرى، وصحفيين مُرتزقة، يلعبون دور حامل الرسالة وصاحب اللافتة، ولم يجد الحزب أكثر ارتزاقًا وجاهزيّة لإيجار عقولهم من بعض وجوه اليسار الاستهلاكى، أو يسار "بارات" شارع الحمراء وملاهيه، لتتزاوج الماركسية فى وجهها الرخيص، مع اليمين الدينى فى أشدّ صوره أصولية وانحطاطًا، منتجة نموذجا مشوهًا اسمه "الأخبار"!
صفقة شراء ذمم اليسار
منذ تأسيسه فى العام 1982، بإشراف مباشر من رجل الدين الإيرانى على أكبر مُحتشمى، حاول الحزب بناء تحالفات سياسية وعسكرية مع الفصائل والتيارات اللبنانية المختلفة. كانت خطوة تأسيسه غرضها استغلال مناخ الحرب الأهلية فى تصدر واجهة المشهد، واحتكار لافتة المقاومة، ثم تجنيد باقى التيارات وقيادتها، لكن الحزب تورّط فى الحرب الأهلية بعد ثلاث سنوات من تأسيسه، وحتى انتهائها فى العام 1990، وخرج منها إلى اتفاق الطائف، ثم إلى التوسع فى الساحة وفرض سياسة الأمر الواقع بقوة السلاح.
ظلت الأمور هكذا حتى اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريرى فى فبراير 2005، وتواتر معلومات عديدة تؤكد تورّط الحزب فى الأمر، وحتى يهرب من المحنة التى كان يُمكن أن تُطيح بما تبقّى له من قبول شعبى، سعى لإشعال فتيل الحرب مع إسرائيل فى الجنوب، وتحقق له ما أراد فى منتصف العام التالى (يوليو 2006) وهى الحرب التى حقق منها مكاسب متعددة، أولها الهروب من مسؤوليته عن قتل الحريرى، وثانيها تعميق احتكاره لخطاب المقاومة، وثالثها استعراض القوة فى مواجهة الخصوم الداخليين، ثم توظيف تلك القوة لاحقا للسيطرة على الساحة السياسية، وامتلاك وضعية استثنائية تتجاوز الدستور والقانون. وبالفعل تحقق له كل ما أراد، رغم تسببه فى مقتل وإصابة قرابة 7 آلاف مواطن، ونزوح أكثر من 500 ألف آخرين إلى مدن الشمال!
مكاسب الحرب كانت فى حاجة إلى تأمينها. وضع الحزب خطة للتأمين الداخلى بالقوة والسلاح وفرض الوصاية على الدولة ومؤسساتها، وتسويق خطابه من خلال قنواته ومواقعه وباقة واسعة من الحلفاء، من الموالين أو المُستأجرين، ضمت وجوها سياسية بالتيار الوطنى الحرب، ومثقفين وفنانين حصلوا على مزايا مالية مباشرة من الحزب. أما على الصعيد الخارجى فكان الأمر فى حاجة إلى إرباك العلاقات اللبنانية العربية، سعيا إلى حصار الحكومة والرئاسة، وقطع قنوات الاتصال والدعم العربية للدولة المأزومة اقتصاديا، بما يُسهّل مهمة "نصر الله" ورجاله فى الإطباق على عنقها. وقتها وقع الاختيار على اليسار ليكون وكيلا عن الحزب فى تلك المهمة، فاستُدعى الصحفى الماركسى جوزيف سماحة وعُقد معه اتفاق على إطلاق صحيفة خاصة، تكون محسوبة على اليسار لكنها تتبنى خطاب الحزب ورؤاه فى القضايا الاستراتيجية والأمور المفصلية المهمة، ولاحقا اتفق الطرفان على أن تُطلق الصحيفة من خلال شركة "أخبار بيروت"، وأن تستعيد اسم "الأخبار" التى تأسست فى العام 1953. جرت الصفقة قبل إشعال الحرب مع إسرائيل وصدر العدد الأول يوم انتهائها (14 أغسطس 2006) بعدما حصل "سماحة" على 20 مليون دولار لإنهاء إجراءات التراخيص وتجهيز المقرّ وتعاقدات الطباعة وتدشين الموقع، ورواتب المُحرّرين والمراسلين للسنة الأولى.
هيمنة للحزب وحصار للبنان
فى السنوات التالية تبدّل منحنى الدعم المالى الموجّه للصحيفة، فزاد مثلا فى العامين 2008 و2011 (الأول شهد قضية خلية التجسس التابعة للحزب فى مصر، والثانى موجات الربيع العربى فى عدة دول) حتى لامس حدود 30 مليون دولار، عزّزت الإدارة من خلالها شبكة مراسليها فى المناطق الساخنة، بحسب خطة الحزب ومحددات السياسة الإيرانية، لكن فى سنوات أخرى تراجع التمويل إلى ما دون 10 ملايين دولار، ربما تحت ضغط الأزمة الاقتصادية التى تعيشها إيران وحزمة العقوبات الاقتصادية التى لم تهدأ خلال العقد الأخير إلا لشهور محدودة عقب توقيع الاتفاق النووى فى العام 2015. وتُشير تقديرات مراقبين وصحفيين لبنانين وعرب (بعضهم تعاون مع الأخبار اللبنانية) إلى أن إجمالى مخصصات الدعم التى وجهها الحزب للصحيفة ربما يتجاوز 120 مليون دولار منذ تأسيسها قبل ثلاث عشرة سنة.
رغم ضخامة تلك النفقات وارتفاعها قياسا على كونها موجهة لصحيفة مطبوعة وموقع إلكترونى، فإن تلك الأرقام تُمثّل نسبة ضئيلة للغاية من موادر حزب الله، الذى يحصل على 800 مليون دولار دعما مباشرا من إيران، جرى تقليصها خلال السنتين الأخيرتين إلى 700 مليون دولار. إلى جانب حصيلة ما يجمعه من سيطرته على 140 معبرا حدوديا مع دول الجوار، وعلى خط خارج الرقابة وخالص الجمارك فى ميناء بيروت، وعلى خطوط فى موانئ صيدا وجونيه وجبيل، وعلى مطار العاصمة وجماركه، وتحصيله مئات الملايين من الدولارات من عمليات التهريب واستيراد بضائع بدون رسوم ضريبية. وتُشير التقديرات إلى تجاوز تجارة الحزب السنوية 7 مليارات دولار، قرابة 20% منها مع الصين وحدها، وهو ما كشفته تصريحات سابقة لوزير التجارة اللبنانى خلال لقاء نظيره الصينى، عن تسجيل واردات 2.5 مليار دولار، وهو ما صححه الوزير الصينى بأنها تبلغ 4 مليارات، واتضح أن الفارق يخص حزب الله. وبتلك الموارد الضخمة فلا يُمثّل تمويل الحزب لصحيفة الأخبار رقما فارقا فى إجمالى موارده.
تخضع الصحيفة، بحسب المراقبين الذين فضلوا عدم الإفصاح عن هوياتهم، لإدارة فريق من الصحفيين الموالين لحزب الله، رغم تصنيف أغلبهم فى خانة اليسار الماركسى، بينما يراقبها ويُشرف على إدارتها وملفاتها المالية فريق من أعضاء الحزب، يصل عددهم إلى 10 من المقربين لـ"حسن نصر الله" وأمين الحزب نعيم قاسم بشكل مباشر. ويرتبط أغلب هؤلاء بصلات قرابة مع وجوه بارزة فى الحزب، سواء من القادة الحاليين أو الراحلين، لكن أبرز ما يلفت الانتباه أن فريق المشرفين يضم أشخاصا من أُسر جهاد مغنية ووالده عماد، والقيادى الميدانى مصطفى بدر الدين (الثلاثة قُتلوا فى سوريا) والأسير السابق سمير القنطار، الذى التحق بقطار الحزب عقب الإفراج عنه فى صفقة تبادل أسرى بالعام 2008، رغم انتمائه لطائفة الدروز التى يناصبها الحزب العداء، وقُتل القنطار أيضا فى سوريا إثر قصف استهدف مبنى فى مدينة جرمانا بريف دمشق، بينما كان يُشرف على خطوط اتصال بالدروز وتنفيذ عمليات لحزب الله فى العاصمة السورية ومحيطها.
خطة حصار الحريرى وحكومته
فيما يخص السياسة الداخلية، تُنفذ صحيفة الأخبار اللبنانية سياسة حزب الله، الذى يُصرّح كثيرا بعدائه لتحالف 14 آذار، وتيار المستقبل الذى يتزعمه سعد الحريرى. ورغبة فى تقويض التيار والتحالف تستهدف الصحيفة الحكومة ورئيسها، إما بانتقاد الحريرى ومهاجمته بشكل واضح، أو بالتركيز على وجوه حليفة للحزب ضمن تشكيل الحكومة، وتسويق الأمور المثيرة للجدل والمُربكة للحكومة. تبدو تلك السياسة واضحة للغاية فى نهج الصحيفة مع وزير الخارجية اللبنانى باسيل جبران، المنتمى إلى التيار الوطنى الحر، والموالى للحزب وزعيمه حسن نصر الله، وهو فى الوقت نفسه وجه مثير للجدل ولا يتوقف عن صناعة الأزمات وإثارة الجدل حول الحكومة، آخرها تغريدته قبل أسبوعين، التى وصف فيها اللاجئين السوريين والفلسطينيين بالفاسدين.
إلى جانب تلك الاستراتيجية الساعية إلى تقويض الحكومة داخليا، تعمل الصحيفة على قطع روابطها الخارجية، بغرض حصارها عربيا وحرمانها من القبول والدعم الواسعين من بعض دول المنطقة، خاصة فى ظل الأزمة الاقتصادية التى تعيشها لبنان بفعل سياسات "حزب الله" وتغوّله الاقتصادى وتهريبه وعملياته غير الشرعية، إلى حد تجاوز الدين العام 85 مليار دولار، فى بلد مساحته 10 آلاف كليو متر مربع وتعداده 6 ملايين نسمة، ولا يتجاوز ناتجه الإجمالى 53 مليار دولار. وسعيا إلى تحقيق تلك الغاية تضع "الأخبار" على لائحة الاستهداف المباشر، أنظمة الحكم فى مصر والسعودية والإمارات، فى ضوء تمتع لبنان وحكومتها بدعم سياسى واسع من الأولى، ومساندة اقتصادية واستثمارية من الأخيرتين.. وهو الاستهداف الذى جاء وفق توجيهات مباشرة من زعيم الحزب حسن نصر الله، ويخضع لمتابعة يومية من أمين الحزب نعيم قاسم، الذى يُعدّ مكتبه تقارير دورية عن مستوى الأداء والتزام الصحيفة بخطة التغطية النوعية لشؤون الدول الموضوعة ضمن فئة "هام جدا" لتُعامل أخبارها معاملة الشأن المحلى اللبنانى.
خطة الحصار لا تتوقف على داعمى الدولة اللبنانية ومؤسساتها وحكومتها الشرعية. وإنما تمتد لتشمل دولا إقليمية أخرى ترتبط بمصالح الحزب المباشرة، أو بدائرة المصالح الإيرانية وتوجهاتها فى المنطقة، لذا تُكثّف الصحيفة تغطياتها الموجهة فيما يخص الأوضاع المحتدمة فى ليبيا واليمن، وتطورات الاحتجاجات الشعبية فى الجزائر والسودان، وتأخذ مواقف عدائية مباشرة من الفريق أحمد قايد صالح والفريق أول عبد الفتاح البرهان، اللذين يديران المرحلة الانتقالية فى البلدين، وتشمل تغطيات الصحيفة وتقاريرها تحريضا مباشرا على المؤسستين العسكريتين الجزائرية والسودانية. والمفارقة أن البلدين كانتا قد خرجتا جزئيا من دائرة اهتمام الصحيفة مع تقلّص ميزانيتها خلال السنوات الثلاث الأخيرة، لكن توجيهات مباشرة من طهران أعادتهما إلى دائرة الاهتمام، مع ضخّ مزيد من المخصصات لتعزيز أعداد المراسلين والمتعاونين فيهما، وزيادة الرواتب والمكافآت من 50 إلى 100 دولار فى السودان، ومن 120 إلى 200 دولار فى الجزائر.
35 متعاونا فى مصر
بشكل عام تتراوح مكافآت المراسلين بين 100 و200 دولار لقاء التقرير الواحد الذى لا يتجاوز 400 كلمة، وتتضاعف القيمة حسب رؤية إدارة الصحيفة، فى حالة الملفات والتغطيات الموسعة والحوارات والتقارير الطويلة بينما لا تُحدد "الأخبار" سقفا لعدد المواد المسموح للمراسل بنشرها، ولا سقفا لإجمالى المكافآت. (بعض المصادر الصحفية فى مصر أشارت إلى وصول مكافآت بعض المراسلين إلى 2000 دولار شهريا).
المصادر نفسها أشارت إلى أن قائمة المتعاونين مع صحيفة الأخبار اللبنانية من مصر تصل إلى 35 صحفيا، ينتمون إلى تيارات فكرية وسياسية متنوعة (أغلبهم من اليسار والناصريين مع أقلية إسلامية) وأن عددا منهم كانوا يكتبون بأسمائهم خلال السنوات الماضية، لكن مع تصعيد لهجة الخطاب ضد الدولة المصرية ومطالبتهم بتقارير مصنوعة تستهدف أجهزة أمنية بعينها، مع ما تحمله تلك التقارير من اختراق لضوابط الأمن القومى وما تتضمنه من اختلاقات ومعلومات غير موثقة، سُمح لهم بالكتابة بأسماء مُستعارة، ولاحقًا دُمج عدد كبير منهم تحت أسماء محددة، لحصر تغطية الشأن المصرى فى اسمين أو ثلاثة على الأكثر.
ربما يبدو عدد 35 صحفيا رقما ضخما كمراسلين لصحيفة واحدة، حتى لو كانوا يعملون بالقطعة وبشكل غير منتظم، لكن هذا العدد يتراجع ويتضاءل كثيرا أمام شبكة المتعاونين والمراسلين فى دول أخرى، خاصة التى تشهد توترات سياسية أو صراعات عسكرية، فبحسب مؤشرات وفرتها مصادر لبنانية، يصل عدد مراسلى "الأخبار" فى السودان إلى 62، والجزائر 53، وقرابة 40 فى كل من ليبيا واليمن، وبشكل إجمالى يتجاوز مراسلو الصحيفة 200 صحفى فى 5 دول عربية، إضافة إلى عشرات فى السعودية والإمارات والبحرين، يحصلون على مكافآت تقارب 270 ألف دولار شهريا، بحصيلة سنوية تفوق 3 ملايين دولارات، وهى المستويات القياسية التى سجلتها الصحيفة فى السنوات الأولى لانطلاقها، تلاها التراجع بين 2012 و2017 إلى نصف هذا الرقم، قبل أن تستعيد مستويات إنفاقها المرتفعة عقب تعزيز ميزانيتها وتوجيه الحزب والدوائر المسؤولة عن الإعلام فى طهران مخصصات إضافية لأذرعها الإعلامية فى عدد من الدول، حلت لبنان فى مقدمتها.
إشراف إيرانى مباشر
لا تحوز "الأخبار" أهمية كبيرى لدى حزب الله، بل تتعدّاها إلى دوائر السلطة وصناعة السياسة الإعلامية فى طهران. وليس من قبيل التجاوز القول إن أهمية الصحيفة تضارع أهمية الحزب بالنسبة لإيران، وربما كان الدليل الأوضح على ذلك أنها تخضع لرقابة وإشراف على أكبر مُحتشمى، رجل الدين البارز فى حوزة قُم، ومُؤسّس حزب الله ووالده الشرعى، وبالنظر إلى متابعته الدورية للحزب والصحيفة بالدرجة نفسها، وتلقيه تقارير شهرية عن أداء مؤسسات الحزب، وعن عوائد الصحيفة وأبرز موادها ومؤشرات التوزيع وزيارة الموقع الإلكترونى.
الاهتمام الواسع من الحزب، ودوائر الإعلام الإيرانية، ربما لا يليق بالمردود الفعلى الذى تحققه "الأخبار اللبنانية"، فالصحيفة لم يكن توزيعها يتجاوز ألفى نسخة، بينما يحتل موقعها المركز 55 ضمن المواقع اللبنانية، بزيارات لا تتجاوز 300 ألف زيارة شهريا (رقم يحققه موقع مصرى صغير بميزانية لا تتعدى 10 آلاف جنيه).
لكن ربما تتأسس الأهمية والمكانة التى تحوزها الصحيفة لدى الميليشيا الشيعية ومموّليها فى طهران، على كونها المنصّة الوحيدة التى توفّر غطاء ماركسيًّا للأصولية الدينية، والشيعية على وجه الخصوص، بمفارقة وصدام واضحين مع الانحيازات اليسارية الرافضة للتوظيف السياسى للدين، أو المنافسة السياسية بشعارات دينية. وهى فرصة قد لا تتكرّر للحزب وملالى قُم، ما لم يجُد يسار "الحمرا" وملاهى بيروت بنموذج جديد من شخصية جوزيف سماحة، يقبل البيع أو الإيجار، ويرفع كأس النبيذ فى يد، بينما يرفع راية حزب الله الشيعى وسلاحه وأمواله المسروقة من اقتصاد لبنان وثرواته، باليد الأخرى، ويُجنّد أشباهه من مُرتزقة اليسار فى مصر والسودان وتونس والجزائر وليبيا واليمن، ليصطفوا فى طابوا إيران الخامس بسوق الإعلام العربى!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة