كانت إيران الرابح الأول من غزو أمريكا للعراق 2003، وكان صدام حسين يرى أن لإيران أطماعا قديمة فى العراق، وقد ثبت بالفعل بعد انهيار الجيش والمؤسسات العراقية، مع دستور طائفى ساهم فى مزيد من الاستقطاب، وطوال 16 عاما لم تقم للعراق قائمة، بل إنه واجه الكثير من عوامل التفتيت والصراع كان أخطرها تنظيم داعش، فضلا عن عملية تذويب للمؤسسات العراقية ونواة الدولة الصلبة انتهت إلى أن تبقى العراق بعيداً عن امتلاك القوة التى كانت لديها ما قبل الغزو الأمريكى.
اليوم تواجه إيران تهديدات أمريكية ربما تكون أقل فى حدتها من تلك التى مارستها إدارة جورج دبليو بوش ضد العراق وصدام حسين بزعم البحث عن أسلحة دمار شامل، لكن تبقى إيران أكثر قدرة على التعامل بمرونة ومصلحية مع التحولات الكبرى، فقد كان تورط صدام حسين فى غزو الكويت هو النقطة التى انقلبت على إثرها أمريكا من شبه حليف إلى عدو، ولم يقدم بوش الأب على تدمير كامل للعراق، حرصا على التوازن الإقليمى، وظل صدام حسين يتعامل مع الولايات المتحدة، مستبعدا أن تقدم على الغزو، لكن جورج بوش الابن ومعه اليمين الأمريكى عقب 11 سبتمبر أقدموا على الغزو لتبدأ حقبة جديدة من الصراع استفادت إيران من تحطيم العراق، وحصلت على الكثير من الأوراق والمفاتيح، مكنتها من لعب دور إقليمى أكبر.
إيران تتعامل بدبلوماسية، وتصريحات الرئيس روحانى تؤكد أن إيران ليست ضد التفاوض وليست مع الحرب، وتغلف طهران تهديداتها بالكثير من الصياغات المتداخلة، وطهران تضع التجربة العراقية فى اعتبارها، والولايات المتحدة أيضا تعرف أن إيران تختلف عن العراق وقت الغزو، ثم إن الوضع العالمى والإقليمى يختلف عن الزمن الذى تم فيه غزو العراق.
فقد توسع النفوذ الإيرانى فى أكثر من دولة عربية، وهو جزء من أسباب التوتر، والصدام مع الخليج والمملكة العربية السعودية، مع وجود تهديدات للمنشآت النفطية، إيران تدعم الحوثيين فى اليمن، وتحارب فى سوريا مع دمشق، بينما تنسق مع تركيا فى ليبيا وتحركات إقليمية أخرى، تركيا وإيران تتعاملان بنفس البرجماتية.
المصالح تحكم، حتى لو ظهرت تناقضات فى المواقف، تركيا دعمت الحرب ضد الأسد، وتدخلت لتسهيل دخول السلاح والمقاتلين والمرتزقة إلى سوريا عبر الأراضى التركية، وأردوغان أحد رعاة النصرة والقاعدة وداعش، والتنظيم يفترض أنه يخوض حربا ضد دمشق وبالتالى إيران، ومع هذا لم تصطدم إيران مع تركيا على الأراضى السورية، بل وينسق الطرفان مع ميليشيات وتنظيمات متطرفة فى ليبيا، وفى نفس الوقت فإن تركيا تقيم علاقات استراتيجية وتبادلا عسكريا واستخباريا مع إسرائيل، بينما يتبادل الرئيس التركى تصريحات واتهامات مع القادة الإسرائيلين.
وبالتالى نحن أمام أوراق وخطوط متقاطعة ومتشابكة، أكثر تعقيدا مما قد يبدو فى الواقع، وحتى تنظيم داعش الذى نشأ ظاهريا بزعم نصرة السنة، وقتل السنة والشيعة والإيزيديين والمسيحيين، وبينما إيران تواجه داعش فى سوريا والعراق فإنها تقف وراء داعميه فى ليبيا.
طهران ليست بعيدة عن التأثير والتأثر بتنظيم داعش مثلما حدث مع القاعدة، حيث منحت إيران مقاتلى القاعدة أراضى وممرات وملاذات آمنة، والمصالح تحكم تحركات طهران، ومثلما كانت ضمن الأعداء الطبيعيين لداعش، فى سوريا والعراق، يمكن أن تحول دفتها حال كان هذا فى مصلحتها، وكل هذا يوضع فى الاعتبار أثناء قراءة خرائط الصراع الساخنة حاليا.