فى الشارع أو المترو أو الباص أو المقهى، كل يجلس على جهازه، يحدق فى الشاشة، ويلمس الشاشة، يتبادل الكلام والفيديوهات ومعلومات ونميمة وكلام فارغ، ويتعامل مع جروبات على واتس آب، وفيس بوك، وتويتر ينشر صوره ويتبادلها، هذا حال الجميع وبالأخص الأطفال والصبيان الذين هم غالبا أكثر خبرة من الكبار، وحتى هؤلاء الذين حضروا عصر الاتصالات من بدايته يجدون خبرات أكثر لدى أجيال نشأت فى ظل الموبايل، لم يحضروا زمن الأرضى و«الدايل اب».
كل هذا يشير إلى أن أبناءنا أكثر خبرة منا، ومنهم قراصنة ولاعبو بلاى ستيشن محترفون، كل هذا جيد ودليل معرفة، لا فرق هنا بين ريف وحضر أو مدينة وقرية، الباقات والاتصالات تستهلك الكثير، ونادرا ما يوجد واحد «ماعندوش لاب أو موبايل»، ومعروف أننا ننفق على الاتصالات مليارات، هناك من ينفق أكثر، أو أقل، لكن الكل هنا على الشبكة.
كل هذا يعنى أن تلاميذنا محترفون نراهم كذلك دائما، ونحن أيضا ننادى بإدخال التكنولوجيا إلى الخدمات الحكومية والخاصة، ونعتبر أننا تأخرنا عن العالم فى هذه الجزئية.
كل هذا وعندما بدأ الحديث عن «التابلت» وتغيير المناهج من الورقى للإلكترونى، رأينا ولا نزال تنظيرات وتصريحات وبوستات، تتعامل مع قضية التعليم مثلما تتعامل مع الحر والبرد والصور والفيديوهات، نحن نقرأ أراء حاسمة لأنصاف خبراء وأرباع عارفين يعلنون أنه « ليس وقته»، ويرون أن تطوير التعليم بالتكنولوجيا يضيعه ويدمره، وعندما تسأله عن البديل، يرد بأن التعليم يجب أن يتغير من الحفظ للفهم، وأن الدروس الخصوصية يجب أن تنتهى وأن هناك مافيات متعددة تستفيد من جمود نظام التعليم الحالى، وعندما تقول له إن هناك بالفعل نظاما جديدا للتعليم يحتاج أن نتعرف عليه ونستوعبه ونناقشه للنهاية، يقول:« لكنه ليس وقته»، طيب متى وقته أيها الخبير الجهبذ؟
لن تجد ردا غير المزيد من البوستات التنظيرية شديدة العمق عن أهميىة تطوير التعليم وفوائده للعالم، وكيف أن أمريكا شعرت بالخطر عندما اكتشفت مشكلات تأخر التعليم. يشيرون إلى تكدس الفصول والمدارس وأن الفصل والتختة والكرسى أهم من التابلت، مع أن نفس هؤلاء يتحدثون عن التعليم عن بعد، ويرون أبناءهم يذهبون لدرس خصوصى فى قاعدة تضم عشرة أضعاف الفصل.
الخبراء والعمقاء لا يثقون فى قدرة التلاميذ على تقبل النظام الجديد وأعبائه، ولا يعتقدون أن التلاميذ يمكنهم تدبير أحوالهم، وتفهم النظام الجديد. هم لا يقون فى تلاميذ فى قمة توهجهم، لكنهم يدافعون عن نفس التلاميذ وهم يتظاهرون رفضا لنظام تعليمى لم يشاهدوه إلا قبل عام واحد. الامر غريب ومفارق ويحتاج الى تحليل، الكل على الشبكة، والبعض يعترض على التابلت، الذى يمكن حال استقراره أن يحل أزمات الزحام والتكدس والبعد، بل إن الإنترنت يقدم حلولا تعليمية أكثر جرأة.
لاحظ أن بعض مراكز الدروس الخصوصية تحصل على مبالغ نظير بث تليفزيونى مسجل للدروس، وهو نوع عليه إقبال كبير، يحل أزمة الانتقال، يعنى نحن «تكنولوجيين» خارج الفصول وداخلها نتحدث عن أنه ليس وقته.
لقد تعرض التلاميذ لكمية من التجارب خلال عقود انتهت بالتعليم إلى هذا الحال، واليوم هناك مشروع ملامحه تظهر يوما بعد آخر، هناك شهادات لمعلمين وأولياء أمور تمتدح التابلت والمناهج والامتحانات، وهناك من يعترضون، لكن هناك فرقا بين المناقشة بمنطق وبين إصدار أحكام نهائية ومهاجمة وزير ودولة كل ذنبهم أنهم يحاولون تنفيذ مطالب متراكمة بنظام تعليمى ينقذنا من تعليم هناك إجماع على أنه لم يعد صالحا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة