يبدو أن زيارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى اليابان، تجاوزت حدود الجغرافيا وربما التاريخ، ففى الوقت الذى توقع فيه قطاع كبير من المتابعين أن يستأثر ملف كوريا الشمالية بالمحادثات بين ترامب ورئيس الوزراء اليابانى شينزو آبى، كانت المسألة الإيرانية حاضرة بقوة على مائدة المفاوضات الأمريكية اليابانية، وهو ما بدا واضحا فى تصريحات الرئيس الأمريكى خلال المؤتمر الصحفى، اليوم الاثنين، حيث أكد أن إجراء المحادثات مع إيران يبقى متاحا، فى الوقت الذى يتزايد فيه التوتر بصورة كبيرة بين واشنطن وطهران.
ولعل التزامن بين تصريح ترامب حول إمكانية التفاوض مع طهران، وكذلك نفيه القاطع لوجود رغبة لدى واشنطن لإسقاط النظام الإيرانى، من جهة، والزيارة التى يقوم بها إلى اليابان من جهة أخرى، يعد بمثابة دليلا دامغا على دور يابانى محتمل فى الوساطة بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإيرانية، خاصة أن زيارة ترامب تأتى فى أعقاب زيارة قام بها وزير الخارجية الإيرانى إلى طوكيو فى الأيام الماضية، كما أن هناك تقارير نشرتها عدة صحف ووكالات أنباء عن زيارة محتملة من قبل رئيس الوزراء اليابانى إلى طهران فى الأيام القادمة.
حرب كلامية.. اليابان تستلهم دور كوريا الجنوبية
الدور اليابانى المحتمل فى المسألة الإيرانية يعيد إلى الأذهان الدور الذى سبق وأن لعبته كوريا الجنوبية لتقريب وجهات النظر بين واشنطن وبيونج يانج فى العام الماضى، حيث تمكنت سول من تمهيد الطريق أمام القمة التاريخية التى عقدت بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، ونظيره الكورى الشمالى كيم جونج أون بسنغافورة، فى شهر يونيو من العالم الماضى، وهى القمة التى نظر إليها قطاع كبير من المتابعين باعتبارها تحول تاريخى فى العلاقة بين البلدين، كما ساهمت إلى حد كبير من تهدئة المخاوف الدولية من حرب محتملة واشنطن وبيونج يانج.
ويعد الموقف الأمريكى الإيرانى فى المرحلة الراهنة متشابها إلى حد كبير مع التوتر الذى شاب العلاقات بين أمريكا وكوريا الشمالية قبل أشهر قليلة من قمة سنغافورة، حيث امتدت الحرب الكلامية بين ترامب وكيم فى ذلك الوقت إلى حد التهديد باستخدام السلاح النووى، وهو ما يثير تكهنات كبيرة بإمكانية الوصول إلى مسار تفاوضى بين طهران وواشنطن فى المرحلة المقبلة، إذا ما تمكنت اليابان من القيام بالدور نفسه الذى سبق وأن لعبته كوريا الجنوبية مع جارتها الشمالية، ولكن مع النظام الإيرانى.
رؤية ترامب.. الرئيس الأمريكى يرى دورا أكبر لطوكيو
ولعل تلميحات الولايات المتحدة بالاعتماد على اليابان فى الملف النووى الإيرانى ليست جديدة على الإطلاق، حيث كان الرئيس ترامب قد أكد، فى خطابه الذى أعلن خلاله الانسحاب من الاتفاقية النووية مع طهران، أنه يرغب فى اتفاقية جديدة أكثر شمولا، فيما يتعلق بكبح الطموحات الإيرانية المرتبطة بتطوير أسلحتها، بحيث لا تقتصر على قدرتها النووية، لتمتد إلى قدرتها على تطوير صواريخها الباليستية، فى ظل امتعاض الولايات المتحدة من التجارب الصاروخية التى أجرتها طهران فى أعقاب الاتفاق النووى، والذى أبرمته طهران مع القوى الدولية الكبرى، برعاية إدارة الرئيس السابق باراك أوباما.
إلا أن رغبة واشنطن فى توسيع نطاق الاتفاقية لا يقتصر على مجرد زيادة القيود على طهران، وإنما توسيع المشاركة بها، بحيث تشمل دولا أخرى، من بينها اليابان، وهو الأمر الذى يعكس رؤية ترامب القائمة على دور أكبر لطوكيو فيما يتعلق بأى مفاوضات مرتقبة مع طهران، خاصة وأن الحكومة اليابانية تحظى بعلاقات جيدة معها.
تنازلات إيرانية.. هل تسير طهران على خطى بيونج يانج
وعلى الجانب الأخر، تبقى زيارة وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف إلى طوكيو قبل عدة أيام تمثل انعكاسا صريحا لرغبة طهران فى تهدئة الأوضاع المتوترة مع الولايات المتحدة فى المرحلة الراهنة، حيث يمثل لجوءها إلى اليابان فى المرحلة الراهنة، بمثابة محاولة صريحة لاستلهام التجربة الكورية الشمالية فى المرحلة الراهنة، بتحويل التوتر فى العلاقات مع واشنطن إلى مائدة التفاوض، بعيدا عن خيار الحرب، والذى تزايد الحديث حوله، مع الإجراءات التى اتخذتها واشنطن مؤخرا بزيادة قواتها العسكرية، وإرسال حاملة طائرات وقاذفات إلى منطقة الشرق الأوسط.
إلا أن تجربة بيونج يانج مع واشنطن شملت العديد من التنازلات من أجل الوصول إلى محطة التفاوض، وأهمها إغلاق مراكز التجارب النووية، بالإضافة إلى إطلاق سراح السجناء الأمريكيين الذين قبعوا فى سجون بيونج يانج لسنوات طويلة، وذلك للاستجابة لمطالب الإدارة الأمريكية، وهو ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت طهران سوف تتخذ نفس النهج فى المرحلة المقبلة تجاه واشنطن فى سبيل الوصول إلى مرحلة التفاوض مع الإدارة الأمريكية من جديد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة