مواقف ورسائل متناقضة تبعث بها طهران للدولة المصرية، وقت تحاول مغازلة القاهرة وآخر تظهر العداء لها، وهو ما اتسم مؤخرا به موقف وزير الخارجية محمد جواد ظريف الذى عارض تصنيف جماعة الإخوان إرهابية، وقال بشكل مباشر لا يحتمل التأويل "إن إيران ترفض سعى الولايات المتحدة لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا.. أمريكا ليست في وضع يؤهلها لأن تصنف الآخرين كإرهابيين"، عوامل عديدة تفسر دفاع رأس الدبلوماسية الإيرانية المستميت عن هذا التنظيم الدولى الملوثة أيديه بدماء المصريين، كان أبرزها القواسم الإيدلوجية المشتركة التى أفرزت بدورها علاقات وثيقة التى ربطت التنظيم الإخوانى بطهران منذ 1979، والتى شكلت أولى ارهاصاتها مباركة أذرع التنظيم المختلفة للثورة الإيرانية، ومنذ ذلك الحين لم تنقطع العلاقات فى مراحلها المختلفة.
ولم تقف العلاقات عند هذا الحد من الإعجاب المتبادل بأفكار الطرفين، فقد سبق مباركة الثورة اتصالات ولقاءات عراب تنظيم الاخوان فى العالم "يوسف ندا" بقائد الثورة فى إيران آية الله الخمينى فى منفاه بباريس، واليوم فى عمق إيران تشكلت جماعة "الدعوة والإصلاح السنية" كفرع للتنظيم الدولى للإخوان رافعة شعارها "الحرية والعدالة والإيخاء"، وينظر إليها كونها الحلقة المفقودة فى العلاقات التى تربط إيران بالتنظيم الدولى للجماعة الإرهابية.
بيرانى
نشأ فرع التنظيم الإخوانى فى إيران عام 1979 عقب الثورة، وبحسب ما كتبته الجماعة عن نفسها على موقعها الإلكترونى الذى يصدر بالعديد من النسخ الفارسية والعربية والكوردية، أنها جماعة مدنیة ذات مرجعیة إسلامیة، تأسست للحفاظ علی معتقدات أهل السنة فی إیران وهویتها، ونفت تلقى أى دعم خارجى من التنظيم، وقال بيرانى فى إحدى حواراته "نحن جماعة مستقلة فى کل الجوانب، ومنها الجانب الاقتصادى، فلا نتلقى أى دعم خارجى، لکن قد يتعاون القسم الخيرى من الجماعة مع بعض الجهات الخيرية لبناء المساجد والمدارس الشرعية وکفالة الأيتام ومساعدة الفقراء فى بعض الأحيان".
وتلتزم جماعة الإصلاح السنية بمبادئ التنظيم الدولى للإخوان، لكنها بخلاف الأفرع الأخرى المتعطشة للسلطة، لا تمارس السياسة فى ظل قبضة المرشد الأعلى القوية فى إيران التى تسيطر على كافة السلطات والصلاحيات، لكنها تنشط فى مجالات الفكر والاجتماع والثقافة، ولديها أعضاء من أهل السنة يقدرون بالآلاف فى مختلف المحافظات الإيرانية، وتقيم مؤتمرات دورية. غير أن السلطات فى إيران تستغل صلاتها بأفرع التنظيم الدولى للجماعة فى تركيا، وقامت بإرسال عراب التنظيم وحلقة الوصل معه أمينها العام "عبد الرحمن بيرانى" لتركيا فى مارس 2017 لترطيب الأجواء السياسية مع النظام التركى.
بيرانى والقرضاوى
ورغم نفى أمينها العام "بيرانى" علاقتها بالتنظيم الدولى على نحو ما قال فى إحدى مقابلاته مع صحيفة الشرق الأوسط اللندنية فى 4 يوليو 2010 "إن جماعته ليست جزءا من التنظيم الدولى لجماعة الإخوان المسلمين التى تتخذ من العاصمة المصرية مقرا لها"، إلا أن التزام جماعة الاصلاح السنية بمبادئ التنظيم وعلاقاتها معه ظهر واضحا فى مواقفها حيث لم تنقطع أواصر تلك العلاقة مع مرور السنوات.
مواقف التنظيم الإخوانى فى إيران فضحت صلاتها بالتنظيم، فقد أرسل أمين التنظيم بيرانى رسالة مفتوحة للرئيس المعزول محمد مرسى يهنئه فيها على فوزه بالانتخابات فى 2012، مازالت هذه الرسالة حتى كتابة هذه السطور منشورة على موقعها الإلكترونى والمواقع الإيرانية الأخرى، أثنى فيها على مؤسس التنظيم الدولى حسن البنا والذى وضع بذرة الجماعة الشيطانية، قائلا: "نعتبر هذا الفوز نتاجا مبارکا لثمانیة عقود من العمل الدؤوب المخلص وثمرة مبارکة من ثمار الشجرة الطیبة التی غرسها الإمام المؤسس الشهید حسن البنا رحمه الله تعالی وروتها أغلی الدماء وأزکاها".
علامة رابعة فى ميدان آزادي بطهران
لم تقف علاقة الدعوة والإصلاح السنية فى إيران بالإخوان عند هذا الحد، بل امتدت إلى مساندة المعزول محمد مرسى، وهو ما ظهر جليا فى مقال لأمينها العام نشر فى 27 سبتمبر 2013 بمجلة (الإصلاح) التابعة للجماعة والتى تصدر بالفارسية داخل إيران اعتبر فيه أن مرسى حيكت ضده المؤامرات الداخلية، مرددا مزاعم التنظيم الدولى حول الأوضاع التى تلت مصر فى هذه الفترة، فضلا أن المجلة خصصت تغطية خاصة للأحداث فى مصر، وروجت لمزاعم ومغالطات كثيرة داخل مصر، ويمكن أن يقال أنها كانت بوق للتنظيم الإرهابى فى بث سمومه تجاه مصر.
وبسبب قربه من قطر وشغله منصب عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين، انتخبت الجمعية العمومية للاتحاد بيرانى فى مطلع يناير 2019، بمدينة اسطنبول، التركية، ضمن 31 عضواً لمجلس أمناء الاتحاد.
وبخلاف العلاقة المشبوهة التى جمعت إيران بالإخوان عبر فرعها الإيرانى "جماعة الإصلاح"، رسمت أيضا الصور المسربة والمعلنة قديما وحديثا من اللقاءات التى جمعت قيادات إيرانية برموز الجماعة الإرهابية خلف الأبواب المغلقة، العديد من علامات الاستفهام حول شكل العلاقة الآن بعد تشرذم التنظيم وتفكك فرعه فى مصر بعدما رفضته القوى الشعبية فى ثورة 30 يونيو، خاصة وأن الشخصيات الإيرانية التى دائما ما تلتقى بها الجماعة تكون من المقربة للحكومة الإيرانية والمرشد الأعلى ورجال دين لها ثقلها فى المعقل الشيعى بمدينة قم الدينية فى إيران.
سيد قطب ونواب صفوى
ولعل أقرب مشهد رسم علامة استفهام فى أذهان البعض كان مشهد لقاء إبراهيم منير نائب مرشد الإخوان، ورجل الدين الإيرانى "محسن الأراكى" فى المؤتمر العاشر لـ"منتدى الوحدة الإسلامية" استضافته لندن، خلال الفترة ما بين 21 و23 يوليو الماضى تحت شعار "الإسلام وحملات التشويه"، وحضره العديد من رجال الدين الإيرانيين، وتعمد الأراكى نشر صورة اللقاء على موقعه الإلكترونى، ما يشير إلى أن إيران لاتزال تحافظ على علاقتها بقادة التنظيم الإرهابى.
وفى مايو 2014 تزامنا مع الانتخابات الرئاسية فى مصر حيث سمحت السلطات الإيرانية لمجموعة من عناصر تنظيم الإخوان الدولى وأنصاره، بالتجمع فى ميدان "أزادى"، أكبر ساحات العاصمة طهران للتظاهر، رافعين علامة "رابعة"، دعمًا لجماعة الإخوان الإرهابية، والتقطوا الصور التذكارية بجوار شعار "رابعة"، كانت إعلانا من جانبها بمساندة الإرهابية فى مواجهة الشعب المصرى، ومنحها ضوء أخضر بالتقرب مع النظام وذلك رغم الانتقادات التى وجهتها للمعزول أثناء حكمه.
وإذا عدنا إلى الوراء كانت أشهر صورة التقطت فى أربعينيات القرن الماضى، جمعت سيد قطب الإخوانى ومجتبى نواب صفوى، المقرب من آية الله الخمينى، ومؤسس المنظمة الثورية الإسلامية "فدائيان إسلام" وأحد زعماء الحركة الإسلامية الإيرانية الذين ارتبطوا بعلاقات وثيقة مع الإخوان المسلمين فى مصر، عندما زار مصر فى عام 1945 وكانت الزيارة نتيجة للعلاقات الوطيدة التى جمعت الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية الإيرانية قبل الثورة، حيث قابله عمر التلمسانى، وكان المتحدث الرئيسى فى لقاء جماهيرى إخوانى بجامعة القاهرة.
وهكذا اختزلت الصور، والعديد من المشاهد الكثير عن العلاقات التى جمعت إيران بالتنظيم الدولى للإخوان الإرهابى، وحتى كتابة هذه السطور يسافر العديد من أعضاء الجماعة الإرهابية المتواجدين داخل قطر وتركيا إلى إيران فى أفواج بهدف التعرف على الحياة السياسية وهيكل السلطة فى إيران وتقديم المنح الدراسة لنقل التجربة فى حال وصولهم مجددا إلى الحكم، ويدخلون الى الجامعات ويتعاونون مع المراكز البحثية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة