لو أن المظاهرات و الاحتجاجات كانت تبني الدولة لكنت اول متظاهرين مع المصريين.. هذا ما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال افتتاحه مشروعات أنفاق قناة السويس ومشروعات أخرى بمحافظة الإسماعيلية يوم الأحد الماضي.
كلام الرئيس كان يعبر عن مرحلة من الفوضى السياسية و الإجتماعية و الاقتصادية التي عاشتها مصر عقب أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١. حيث تحولت الاحتجاجات الجماهيري بتغيير النظام الى احتجاجات فئوية لكل شرائح المجتمع في مصر و بشكل يومي وعلى مدار الساعة حتى أصيبت مرافق الدولة بالشلل و تعرض الاقتصاد المصري لضربات قاتلة في الصميم بعد أن توقفت المصانع وهربت الاستثمارات و تعطلت المصالح والخدمات الحكومية بسبب احتجاجات الموظفين و العاملين فيها للمطالبة بالزيادات او الحوافز المالية او التعيين.
و حسب الأرقام فقد كلف ذالك مضاعفة مخصصات الأجور و المرتبات في الموازنة العامة من ٧٠ مليار جنيه عام ٢٠١٠/٢٠١١ إلى ٢٢٨ مليار جنيه في الميزانيات اللاحقة لها بما يعني أن الاقتصاد المصري تحمل عبئ ١٥٠ مليار جنيه فقط بسبب فوضى التعيينات الحكومية تحت ضغط الاحتجاجات الفئوية.
المسألة لم تتوقف عند هذا الحد بل تعداه إلى المساس بهيبة و سلطة الدولة و نتذكر جميعا كيف أن مظاهرات أهالي إحدى مدن الصعيد أجبرت الحكومة برئاسة عصام شرف في ذلك الوقت على تغيير قراره بتعيين مسيحي رئيسا للمدينة بعد أن قطع الأهالي شريط السكة الحديدية وكانت هذه الاحتجاجات بداية لفوضى تهاونت معها الحكومة و ضعفت أمامها بل و تعاطفت مع الخروج على القانون و اعتبرت تعطيل مرافق الدولة الحيوية ما هو إلا تعبيرا عن "غضب من شعب مجروح" على حد وصف رئيس الحكومة نفسه.
و منذ ٢٠١١ و حتى بداية ٢٠١٥ لم تتوقف هذه الفوضى و لم يقدر أحد خطورة الموقف و نزيف الخسائر المستمر للاقتصاد المصري طوال اربع سنوات.. فغالبية هذه الاحتجاجات تعاملت مع الوطن على أنه فريسة او ذبيحة ينبغي الحصول على نصيب منها.
هذه كانت هي الصورة التي مازالت عالقة في اذهان المصريين و كيف كاد الأمر أن يتطور بإعلان إفلاس البلاد بعد أن تتدهور كل شيء.
اذن فالوطن لا يبنى بتظاهرات واحتجاجات عبثية بل بالعمل و العرق و الصبر و الكفاح و المثابرة وعلينا أن نتعلم من الدول التي نهضت وسائل الاحتجاج المتحضر للحصول على الحقوق بشرط أداء الواجبات و لنا في اليابان المثل و النموذج.
و ربما لا يعلم الكثيرون ماذا فعلت احتجاجات أصحاب "السترات الصفراء" في الاقتصاد الفرنسي منذ اندلاعها من حوالي شهرين ووفقا لوزير المالية الفرنسي و تصريحاته نهاية الأسبوع الماضي فإن حجم الخسائر اقتصاد بلاده منذ اندلاع المظاهرات بلغت حوالي ١٤ مليار يورو أي ما يساوي ٢٨٠ مليار جنيه مصري تقريبا هذه هي خسائر فرنسا إحدى الدول الصناعية الكبرى حتى الآن ولا أحد يعلم إلى أي مدى ستصل خسائر الاقتصاد الفرنسي وإلى أي درجة يتحملها.
الوقت الآن هو وقت العمل و الصبر و التحمل و ما نراه في مصر الآن من بداية النهوض الاقتصادي و عبور الازمة هو نتاج لمرحلة إعادة بناء الدولة وفرض هيبتها وقوتها في الـخمس سنوات الماضية.