بدأت علاقة النبى محمد عليه أفضل الصلاة والسلام مع الملائكة مبكرا جدا، منذ طفولته، لقد رأى اثنان منهما رأى العين، بينما كان يحرس غنمه، بل اقتربا منه وشقا قلبه وطهراه، فقد كان على عادة القبائل فى قريش والقبائل العربية قديما، يدفع الأهل أطفالهم إلى البادية لمرضعات يعشن هناك، فيتعلم الطفل من الحياة البسيطة ما يجعله قادرا على مواجهة الصعاب الكامنة له فى زوايا الحياة، وقد كان الطفل اليتيم محمد بن عبدلله بن عبد المطلب من نصيب السيدة حليمة السعدية التى تعيش فى مضارب بنى سعد.
وقد مكث الطفل، الذى صار نبى آخر الزمان، صلى الله عليه وآله وسلم، عند مرضعته حليمة السعدية السنوات الخمس الأولى من عمره، وفى هذه الفترة وقبل أن يبلغ الثالثة من عمره حدثت له حادثة تسمى فى التراث بـ«شق الصدر».
وفى السنة الصحيحة عن أنس، رضى الله عنه «أن النبى، صلى الله عليه وسلم، أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك ثم غسله فى طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه ثم أعاده فى مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه، يعنى ظئيره، فقالوا إن محمدًا قد قتل. فاستقبلوه وهو منتقع».
وتقول السيدة حليمة السعدية، حسبما ورد فى كتاب «السّيرة النبويّة» لابن هشام، «فرجعنا به، فوالله إنّه بعد مقدمنا بشهر مع أخيه لفى بَهْمٍ لنا خلف بيوتنا، بينما هو وإخوته فى بَهْم لنا خلف بيوتنا إذ أتى أخوه يعدو، فقال لى ولأبيه: ذاك أخى القرشى قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض، فأضجعاه، فشقا بطنه فهما يَسُوطانه. فخرجت أنا وأبوه نحوه فوجدناه مُنْتَقَعًا لونه، فالتزمته، والتزمه أبوه، فقلنا له: ما لك يا بنى؟ فقال: جاءنى رجلان عليهما ثياب بيض، فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ قال: نعم. فأقبلا يبتدرانى فأضجعانى فشقا بطنى، فالتمسا فيه شيئًا، فأخذاه وطرحاه ولا أدرى ما هو».
قالت: فرجعنا إلى خبائنا، وقال لى أبوه: يا حليمة! لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أصيب، فألحقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به.
فاحتملناه، فقدمنا به على أمّه، فقالت:
ما أقدمك به يا ظئرُ؟ «والظّئر: هى المرضعة المستأجرة»، وقد كنت حريصة عليه، وعلى مكثه عندك؟!
فقلت: فقد بلغ الله بابنِى، وقضيت الّذى علىّ، وتخوّفت الأحداث عليه، فأدّيته إليكِ كما تحبّين.
قالت: ما هذا شأنك! فاصدُقينى خبرك.
فلم تدعْنِى حتّى أخبرتها.
كان عمر النبى، صلّى الله عليه وسلّم، حينها ثلاث سنوات كما فى «سيرة ابن إسحاق»، أنه فى ذلك اليوم استيقظ النبى، صلّى الله عليه وسلّم، وأخوه من الرّضاعة فخرجا من الخباء خلف أغنامهما، لم يتذكّر أحد منهما أنّهما من غير زاد.
وروى الإمام أحمد عن عُتْبَةَ بن عَبْدٍ السُّلَمِى رضى الله عنه أَن رجلا سأل رسول اللَّه، صلّى الله عليه وسلّم، فَقَال: كَيْف كَانَ أَوَّل شَأْنِك يَا رَسولَ اللَّهِ؟ قَالَ: كَانَتْ حَاضِنَتِى مِنْ بَنِى سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَابْنٌ لَهَا فِى بَهْمٍ لَنَا، وَلَمْ نَأْخُذْ مَعَنَا زَادًا، فَقُلْتُ: يَا أَخِى! اذْهَبْ فَأْتِنَا بِزَادٍ مِنْ عِنْدِ أُمِّنَا.
فَانْطَلَقَ أَخِى، وَمَكَثْتُ عِنْدَ الْبَهْمِ، فَأَقْبَلَ رَجُلاَنِ أَبْيَضَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَهُوَ هُوَ؟
قَالَ: نَعَمْ!
فَأَقْبَلَا يَبْتَدِرَانِى، فَأَخَذَانِى، فَبَطَحَانِى إِلَى الْقَفَا، فَشَقَّا بَطْنِى، ثُمَّ اسْتَخْرَجَا قَلْبِى، فَشَقَّاهُ، فَأَخْرَجَا مِنْهُ عَلَقَةً سَوْدَاءَ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: ائْتِنِى بِمَاءِ ثَلْجٍ.
فَغَسَلَا بِهِ جَوْفِى وقَلْبِى.
ثُمَّ انْطَلَقَا وَتَرَكَانِى، وَفَرِقْتُ فَرَقًا شَدِيدًا، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى أُمِّى، فَأَخْبَرْتُهَا بِالَّذِى لَقِيتُهُ، فَأَشْفَقَتْ عَلَى أَنْ يَكُونَ أُلْبِسَ بِى، قَالَتْ: أُعِيذُكَ بِاللَّه! فَرَحَلَتْ بَعِيرًا لَهَا، فَجَعَلَتْنِى عَلَى الرَّحْلِ، وَرَكِبَتْ خَلْفِى، حَتَّى بَلَغْنَا إِلَى أُمِّى.
ويقول أَنَس بن مالك فى ذلك: «وَقَدْ كُنْتُ أَرَى أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِى صَدْرِهِ».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة