تسبب خطاب موقع من مطران وثلاثة أساقفة موجه للمجمع المقدس للكنيسة القبطية وهو الهيئة العليا فيها والذى ينهى جلساته مساء اليوم، فى حالة من الجدل فى الشارع القبطى بعدما احتفت به صفحة جماعة "حماة الإيمان القبطية" ونشرت نسخا منه على مواقع التواصل الاجتماعى فى ساعة متأخرة من مساء أمس.
نص خطاب الأساقفة ضد من وصفوهم بـ"هادمى الإيمان"
الخطاب موقع من الانبا بنيامين مطران المنوفية والانبا موسى اسقف الشباب والانبا اغاثون اسقف مغاغا والانبا مايكل الاسقف العام بأمريكا، أعده الأساقفة الأربعة وقدموه قبل أيام من انعقاد اللجان التحضيرية للمجمع المقدس وقد تضمن عدة مطالب وشكاوى وجاء فيه:
"لاحظنا منذ بضع سنوات وحتى الآن، ووصلتنا شكاوى عديدة من بعض الأباء الأساقفة، والأباء الكهنة، والأباء الرهبان، والخدام والخادمات، وبعض أبنائنا من شعب كنيستنا القبطية الأرثوذكسية بمصر والمهجر، وتتلخص هذه المخالفات والتعديات، التى لاحظناها، ووصلتنا من كثيرين، يطلبون منا سرعة التدخل من المجمع المقدس، برئاسة قداسة البابا، للتصدى لهذه المخالفات والتعديات، التى تمس الكنيسة وعقائدها وتقاليدها، وما تسلمناه من الإيمان الذى تسلمناه منذ 21 قرناً من الزمان، هذا بالإضافة إلى ما جاء فى المذكرة التى قدمها نيافة الأنبا موسى بصفته مقرر لجنة الإيمان والتعليم والتشريع وتشتمل على حوالى 85 ملاحظة حول الإيمان والتعليم".
وأضافت: "ومن أمثلتها: هناك ملاحظات على بعض فروع الإكليريكيات، والمراكز التعليمية الحديثة، ومناهجها، وبعض الأساتذة الذين يقومون بالتدريس فيها، سواء داخل مصر أو خارجها، وخاصة ما يسمى "بمدرسة الأسكندرية". وهذا يحتاج لمواجهة وعلاج،و اتباع اللاهوت الجديد، من البيزنطيين المحدثين، ورفض التعليم اللاهوتى الأرثوذكسى لكنيستنا القبطية،و الهجوم على تاريخ الكنيسة، وأبطال الإيمان، وكل آباء ومعلمى الكنيسة المعاصرين، المشهود لهم أمثال: قداسة البابا شنودة الثالث، نيافة الأنبا غريغوريوس، والأرشيدياكون حبيب جرجس وأمثالهم، و الهجوم على الرهبنة القبطية ومؤسسيها، والأديرة والأباء الرهبان، بصورة مهينة غير مسبوقة، بكل وسائل الإعلام المتنوعة، عدم الالتزام بكل الثوابت، وما تسلمناه من الإيمان".
وأشارت المذكرة إلى ما وصفته: المُعاداة والتشهير، والتعدى بألفاظ خارجة على كل من ينادى بالإيمان المستقيم، ويدافع عنه سواء كان الآباء الأساقفة، أو الآباء الكهنة، أو الآباء الرهبان، أو من الخدام والخادمات، مضيفة: هناك مكانة تُعطى أمام الرأى العام والكنسى، لأصحاب التعاليم الخاطئة أو المقطوعين بقرار من المجمع المقدس، لاعطائهم شرعية، لقبولهم، أمام البسطاء من الخدام والشعب.
وفى النقاط الثلاثة الأخيرة ذكر الأساقفة الأربعة: يجب معرفة خطورة عدم التمسك بما جاء فى المجامع المسكونية، من قوانين وتعاليم، بالإضافة إلى خطورة رفض قوانين الكنيسة، بل والتعدى عليها بصور واشكال مختلفة، وهناك البعض من الأديرة والمدارس والإيبارشيات، لها كتابات تتعارض مع إيمان الكنيسة، يجب الجلوس مع أصحابها وإيجاد حل لها، وذلك بمراجعتها، واتخاذ قرارات لتصحيح الأخطاء، ونحتاج إلى مراجعة الكتب والمجلات والنبذات، وما يصدر على المواقع من تعاليم خاطئة، وبها أخطاءعديدة، كانت ومازالت سبب بلبلة فى التعاليم الكنسية، واعتناق عقائد غريبة، مثال:اسطورية الكتاب المقدس، ومدارس نقد الكتاب، وتناول المرأة الحائض، وغيرها مع وضع حدود للاختلاط بكنائس الطوائف، والتمسك بالوحدة المسيحية القائمة على الإيمان الواحد الذى تسلمناه من القديسين، على أى اعتبارات أخرى، لا تفيد كنيستنا ولا كنائس الآخرين.
وفى ختام تلك المذكرة كتب الأساقفة:
نحن بصفتنا أعضاء فى المجمع المقدس، الذى هو أعلى سلطة كهنوتية وتشريعية فى الكنيسة...
نشعر أن علينا مسئولية كبيرة أمام الله ومذبحه المقدس، والتاريخ وجماعة المؤمنين، بأن نعيش الإيمان الصحيح المستقيم، ونسلمه لشعبنا، كما سلمه لنا آباؤنا القديسين من خلال الكنيسة كما تعهدنا يوم سيامتنا، وندافع عنه أمام المدارس الخاطئة وأصحابها، وليس من حقنا أو من حق غيرنا، أن نغير أو نبدل أو نجذف أو نزيد على هذا الإيمان، مما يعرض خلاص أنفسنا وأبديتنا نحن والرعية للخطر والهلاك، والدينونة الأبدية.
كما أنه يعَرِّض أبناءنا للإلحاد والطائفية، وإفساد منابع الخلاص العذبة، لكى تتحول من ينابيع صالحة إلى ينابيع فاسدة، تقود للتحزب والبدع والهرطقات، والشقاق والصراعات المتنوعة.
فمن هنا نطلب من المجمع المقدس، بصفته السلطة العليا فى الكنيسة، ومفصِّل كلمة الحق باستقامة، بأن يفصل بين التعليم الصحيح والتعليم الخاطئ، والإيمان المسلّم من الآباء وغير المسلّم، وما الذى يجب التمسك به أو رفضه، وذلك يقرار يصدر من المجمع المقدس بدون تأخير أو تأجيل، نظراً لخطورة الموقف، ويُعلن للرأى العام على المواقع والقنوات الكنسية، داخل مصر وخارجها، حتى تهدأ نفوس أولادنا لينشغل الجميع برسالة الكنيسة اللأساسية: الكرازة والخدمة، وخلاص الأنفس وأبديتها.
لماذا وقع الأساقفة الأربعة وحدهم على هذا الخطاب؟
الانبا اغاثون
حظى الخطاب بتوقيع الانبا بنيامين مطران المنوفية، والانبا موسى اسقف الشباب والانبا اغاثون اسقف مغاغا والانبا مايكل الاسقف العام بأمريكا، ولم ينل الخطاب اهتمام أي من الأساقفة الأخرين البالغ عددهم 128 أسقف ورئيس دير من أعضاء المجمع المقدس.
فى الأعوام الأخيرة، ضمت أسقفية الشباب عددا من الخدام المنتمين لجماعة حماة الإيمان القبطية التى ذكرها البابا بالاسم فى أحد عظاته محذرا الأقباط من الانسياق وراء ما تنشره، إذ يخدم هؤلاء بلجنة العقيدة بالأسقفية التى تعقد مؤتمرا خاصا بها وتتولى الإشراف على المنشورات والأبحاث الصادرة عن الاسقفية وعن مهرجان الكرازة للشباب القبطى.
يتولى الانبا موسى مسئولية تلك الايبراشية منذ ما يزيد عن 39 عامًا إلا أن سيطرة الجماعة المتشددة كنسيا على الأسقفية قد تسبب فى الكثير من الأزمات وبدا وكأنها تشكل تيارا معاديًا للبابا تواضروس إذ ينخرط هؤلاء الخدام فى الرد على كل ما يصدر عن بابا الإسكندرية من مقترحات كان أبرزها إعلانه عن دراسة تغيير موعد عيد الميلاد المجيد فى الكنائس القبطية خاصة فى المهجر من 7 يناير ليصبح 25 ديسمبر فى محاولة لضبط التقويم القبطى بناءا على مطالب من كنائس المهجر.
مطران المنوفية الانبا بنيامين
رغم أن قضية التقويم القبطي مجرد حسابات فلكية لا علاقة لها بالعقيدة ولا باللاهوت على حد تعبير البابا تواضروس، إلا أن جماعة حماة الإيمان تلك أقحمت القضية فى الخلافات العقيدية بين الأرثوذكس وباقى الطوائف المسيحية.
صاحب التوقيع الثانى على هذا البيان هو الانبا اغاثون اسقف مغاغا والعدوة الذى دأب على إصدار البيانات الإعلامية التى تعارض البابا تواضروس وإصلاحاته فى الكنيسة حتى إنه عمل مؤخرا على تأسيس لجنة للإيمان والتعليم بإيبراشية مغاغا على غرار لجنة الإيمان بالمجمع المقدس وكأنه يخلق كيانا موازيا بعدما عمل على إصدار بيانات متعددة موقعة باسم رابطة خريجي الكلية الإكليريكية التى يرأسها.
أما الأنبا مايكل الاسقف العام بالولايات المتحدة، فقد كان بطلا لأزمة أخرى مع البابا تواضروس انضم له فيها الانبا اغاثون، إذ رفض الاسقف العام بالولايات المتحدة، رسامة الانبا بيتر اسقفا على ايبراشية نورث كارولينا معتبرا أن كنائس تلك الولاية تقع تحت اختصاصه وهدد باختصام الكنيسة فى المحاكم الأمريكية إلا أن أحدا لم يستجيب لتلك الحملة، بينما يظهر اسم الانبا بنيامين مطران المنوفية للمرة الأولى بشكل علنى فى تلك البيانات المعادية لتيار التجديد فى الكنيسة رغم انتمائه للتيار التقليدى فكريًا.
ومن ثم فإن أسماء الأساقفة الأربعة تؤكد أن الخلاف ليس دينيا أو بغرض حماية الإيمان إنما مجرد خلافات إدارية وفكرية حادة بين تيارات كنسية متعارضة.
ما هى مدرسة الإسكندرية للدراسات اللاهوتية التى تزعج المتشددين دينيا؟
مدرسة الإسكندرية للدراسات اللاهوتية، هى مدرسة بحثية تابعة للكنيسة يشرف عليها الراهب القس سيرافيم الباراموسى والانبا انجيلوس اسقف شبرا الشمالية وقد كان للأنبا ابيفانيوس اسقف دير أبو مقار المغدور اسهامات علمية وبحثية فيها إذ يقوم على هذه المدرسة مجموعة من شباب الدارسين للاهوت والعقيدة ومحققى كتب التراث الكنسي والمترجمين وقد أحدث القائمون على تلك المدرسة خلال الأعوام الماضية نقلة فى الكتب الكنسية العلمية فى مقابل كتب المعجزات والأساطير التى تنتشر دون أي تأصيل علمى.
للمرة الثانية، يتقدم أسقف الشباب بشكوى ضد ما يطلق عليه الأفكار الشاذة والغريبة لهذه المدرسة اللاهوتية إذ تقدم منذ سنوات بمذكرة ضمت 33 خطأ عقائدى -على حد تعبيرهم-، وبعد فحصها من قبل اللجان الكنسية لم يصدر تجاه المدرسة أية قرارات تدينهم إلا أن الترجمة عن آباء الكنيسة الأوائل والبحث فى اللاهوت المقارن يزعج الراغبين فى قطع مسيرة المعرفة وعزل الكنيسة القبطية عن كنائس العالم وإبعادها عن الحوار اللاهوتى أو التقارب مع الكنائس الأخرى.
لماذا يخشى التقليديون اللجوء إلى الحوار مفضلين اتهام الأخرين؟
أمام كل تلك الاتهامات الواردة فى المذكرة المقدمة للكنيسة، لم يرد بذهن القائمين عليها اللجوء للحوار اللاهوتى بين من اختلفوا معهم خاصة إذا كانت الاتهامات تتضمن التفريط فى العقيدة والإيمان ودعوة الشباب إلى الالحاد.
لجأ القائمون على تلك المذكرة إلى الاتهام وهى الوسيلة التى كانت دارجة خلال السنوات الماضية، شهدت فيها الكنيسة موجة من الحرمان الكنسي والمحاكمات الكنسية مرورا بمصادرة الكتب لكل من اختلفوا مع التيار التقليدى الحاكم فى تلك الفترة فطالهم الحرمان الكنسى من بينهم جورج حبيب بباوى أستاذ اللاهوت والقمص إبراهيم عبد السيد الكاهن الشهير مع منع كتابات القمص متى المسكين من مكتبات الكنائس والتحذير من الانضمام لدير أبو مقار الذى كان يقيم فيه بالإضافة إلى الرد على كل كتاباته واتهامه بالهرطقة من قبل الانبا بيشوى مطران كفر الشيخ الراحل وسكرتير المجمع المقدس الذى ترأس لجنة المحاكمات الكنسية صاحبة اليد الطولى فى تلك الفترة.
لم يعتد أساقفة التيار التقليدي اللجوء للحوار اللاهوتى كطريق يناسب الباحثين والرهبان ورجال الله، بل فضلوا الهجوم على المختلفين معهم واتهامهم بهدم العقيدة ونشر الإلحاد والتفريط فى الإيمان.
هل تنجح الكتائب الإلكترونية فى الضغط على الكنيسة؟
تمارس الكتائب الإلكترونية المؤيدة لأفكار حماة الإيمان ومن والاهم ضغوطا على الكنيسة فى محاولة لقطع الطريق على الإصلاح الكنسي أو التفكير فى المستقبل او الانفتاح على كنائس العالم المختلفة عنهم فى الإيمان والعقيدة، وهى فى مساعيها هذه تنجح أحيانا وتخفق أحيانا أخرى إذ يفضل البابا تواضروس تلقيبهم بـ"أصحاب العقول المتحجرة والقلب المنغلق" فلم يشير إليهم صراحة إلا فى عظة تلت مقتل الانبا ابيفانيوس أكد فيها أن الإيمان لا يحتاج إلى من يحميه لأنها كنيسة المسيح والله يحميها.
الخطاب الأزمة
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة