نتائج مفاجئة تمكن حزب التجمع الوطنى اليمينى، والذى تترأسه السياسية الفرنسية مارين لوبان، فى انتخابات البرلمان الأوروبى، وذلك بعدما تصدروا الساحة السياسية الفرنسية، على حساب قائمة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، وهى النتيجة التى تمثل صفعة كبيرة للنظام الحاكم فى باريس، خاصة وأنها تأتى بعد أشهر من المظاهرات الحاشدة التى ضربت العديد من المدن، وعلى رأسها باريس، احتجاجا على الأوضاع والسياسات التى تتبناها الحكومة منذ شهر ديسمبر الماضى، والتى قادتها حركة "السترات الصفراء".
وانتصار اليمين الفرنسى يمثل نقطة تحول رئيسية فى المشهد السياسى الفرنسى، مع اقتراب الانتخابات المحلية، حيث سيساهم بصورة كبيرة فى دعمهم للقيام بدور أكثر فاعلية فى المرحلة المقبلة، خاصة فيما يتعلق بالأزمات الراهنة التى تشهدها باريس، كما أنه يأتى بالتزامن مع بزوغ نجم التيارات اليمينية فى العديد من دول القارة، وهو ما ينبئ بتغيير المشهد السياسى ليس فقط فى فرنسا، ولكن فى أوروبا بأسرها.
"اليوم السابع" تواصل مع السياسى الفرنسى جان مسيحة، المستشار السياسى لزعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية مارين لوبان، لتوضيح رؤيته للأوضاع الحالية، بعد النتائج التى تمكنوا من تحقيقها فى الانتخابات الأوروبية، والتداعيات المترتبة عليها فى المرحلة المقبلة.. وإليكم نص الحوار:
بداية.. ما هى رؤيتكم للنتائج التى آلت إليها انتخابات البرلمان الأوروبى؟
النتائج الكبيرة التى حققها حزب التجمع الوطنى فى فرنسا تمثل انعكاسا صريحا لحالة يمكننا تسميتها بـ"انفجار الواقع السياسى"، فى الداخل الفرنسى، وذلك بعد محاولات صريحة من قبل الحكومة الحالية لتهميشنا وتشويهنا منذ الانتخابات الرئاسية التى عقدت فى 2017، والتى صعد على إثرها ماكرون إلى عرش الإليزيه على حساب زعيمة الحزب مارين لوبان، وبالتالى فإن تصدرنا لنتائج الانتخابات كان بمثابة مفاجأة غير متوقعة وصدمة كبيرة بالنسبة لهم.
انتصار اليمين الفرنسى يمثل انعكاسا صريحا لحالة الغضب التى يعانيها الشارع الفرنسى جراء السياسات التى تبناها ماكرون خلال العامين الماضيين، وهو ما أعربوا عنه بالتظاهر فى الأشهر الماضية، فى الوقت الذى تبنت فيه الحكومة نهجا متعنتا تجاه مطالب الشارع الفرنسى، ليجدوا فى الانتخاب طريقا أخر للتعبير عن رفضهم الكامل لتلك السياسات.
ذكرتم أن تصدركم لنتائج الانتخابات الأوروبية كان مفاجئا للنظام رغم الاحتجاجات والتظاهرات.. كيف تفسرون ذلك؟
بالفعل كانت مفاجأة كبيرة بالنسبة لهم، لأنهم حاولوا بكل الطرق تسخير كافة الإمكانات من أجل تحقيق الفوز فى تلك الانتخابات، سواء كان عبر استخدام المنابر الإعلامية، أو الأموال، حيث سعى الرئيس ماكرون إلى استخدام كافة الإمكانات المتاحة بالدولة من أجل تحقيق هذا الهدف، وهو الأمر الذى لم يكن ممكنا بالنسبة لنا أن نجاريه، فهو يسخر إمكانات الدولة لتحقيق أهدافه، وهو بالطبع ما لا يمكن مقارنته بإمكاناتنا المحدودة.
إلا أن الملاحظة التى ينبغى أن نثيرها فى هذا الإطار، هى الحملات الانتخابية التى دشنها حزب "الجمهورية إلى الأمام"، والتى قادها ماكرون بنفسه فى انتهاك صريح للدستور الفرنسى، والذى يضع رئيس الدولة فى موضع المحايد فى مثل هذه المناسبات الانتخابية، باعتباره رئيسا لكل الفرنسيين، حيث تصدرت صور ماكرون، وليس صور المرشحين، القوائم الحزبية الخاصة بهم.
انتصار حزب التجمع الوطنى فى الانتخابات الأوروبية يأتى بالتزامن مع بزوغ نجم التيارات اليمينية فى أوروبا بأسرها.. ما هو تقييمكم لذلك؟
ليس فى أوروبا فقط.. فالتيارات القومية تصاعدت بصورة كبيرة فى العديد من دول العالم، وهو ما تجسد مؤخرا فى فوز رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودى، فى الانتخابات الأخيرة بالهند، وهو ما يمثل أخر حلقات مسلسل الصعود، الذى تحققه التيارات المؤمنة بالدولة القومية، حيث سبقه العديد من السياسيين الأخرين الذين تمكنوا من الوصول إلى سدة السلطة فى بلدانهم، كالبرازيل، والولايات المتحدة، بينما فى أوروبا يوجد سالفينى، وفى المجر فيكتور أوربان وغيرهم.
ويمثل صعود الأحزاب اليمينية حالة من التمرد الشعبى على سياسات التيارات الليبرالية، والتى اتجهت نحو التخلى عن خصوصية الدول السياسية والجغرافية، وفتحت أبوابها أمام المهاجرين، مما فرض الكثير من الضغوط الأمنية والاقتصادية على شعوب تلك الدول، وبالتالى كانت هناك حاجة ملحة للعودة إلى الدولة القومية من جديد.
بعد الانتصار الكبير.. ما هى الأولويات فى أجندتكم للمرحلة المقبلة؟
بالطبع الانتصار فى انتخابات البرلمان الأوروبى مهما للغاية خاصة وأنه يأتى على المستوى القارى، وبالتالى فنحن نسعى فى المرحلة المقبلة إلى تحقيق انتصارات مماثلة على المستوى المحلى، سواء فى الانتخابات البلدية القادمة فى 2020، أو فى انتخابات الرئاسة فى 2022.
أما على مستوى السياسة، فنحن نؤكد على مطالبنا السابقة، والتى سبق وأن أكد عليها متظاهرو السترات الصفراء، لشهور طويلة، وهى حل الجمعية الوطنية الفرنسية، وتغيير الحكومة، باعتبارها أولويات قصوى لتحقيق تطلعات الفرنسيين، فى ظل التمثيل غير العادل للمعارضة داخل أروقة البرلمان الفرنسى، وهو الأمر الذى ترجمته بوضوح نتائج الانتخابات الأوروبية، والتى أثبتت تواجدنا بصورة قوية فى الشارع الفرنسى، فى الوقت الذى تمثل فيه كافة أحزاب المعارضة الفرنسية نسبة ضئيلة من المقاعد البرلمانية لا تعبر عن الواقع السياسى فى فرنسا.
تواتر الحديث عن علاقة مشبوهة بين تيارات اليمين فى أوروبا من جانب وروسيا من جانب أخر.. كيف يمكنكم الرد على ذلك؟
كافة الأحاديث التى تدور حول هذه القضايا محض هراء، فى إطار محاولات الخصوم السياسيين لتشويهنا، عبر اتهام التيارات القومية بالعمالة والخيانة، فالواقع السياسى يؤكد أن كافة الأحزاب السياسية لديها الحق فى تكوين علاقاتها مع مختلف الأطراف الفاعلة فى المجتمع الدولى، سواء كانت روسيا أو الولايات المتحدة أو الصين، أو غيرها من القوى الأخرى.
فلو نظرنا إلى حالتنا فى فرنسا، نجد أننا نسعى إلى الوصول إلى السلطة فى الانتخابات الرئاسية القادمة والمقررة فى 2022، وبالتالى لابد أن نكون مؤهلين لقيادة الدولة عبر شبكة من العلاقات الدولية، فالسياسة فى المقام الأول هى لعبة مصالح وليست لعبة صداقات.
ففى الانتخابات الفرنسية الأخيرة عام 2017، قدم الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما دعمه الصريح لماكرون على حساب منافسته مارين لوبان، فهل يمكننا أن نصفه بـ"عميل أمريكا"؟!
ما هو مستقبل حراك السترات الصفراء فى فرنسا؟
مستمر وروبما يشهد زخما كبيرا فى الأيام القادمة.
ولكن هناك تقارير حول انخفاض حدة التظاهرات فى الشوارع الفرنسية فى الأسابيع الماضية.. فكيف تفسرون ذلك؟
أمر طبيعى فى ظل الانتخابات الأوروبية، حيث أن الفرنسيين وجدوا من الحدث الانتخابى فرصة للتعبير عن رؤيتهم الرافضة لسياسات ماكرون عبر الصندوق بعيدا عن الاحتجاج فى الشوارع، إلا أن استمرار تعنت النظام الحاكم فى فرنسا تجاه مطالب المتظاهرين سوف يدفع إلى موجات احتجاجية جديدة فى المستقبل القريب، خاصة وأن تصريحات المسئولين الفرنسيين بعد الانتخابات لا تدعو إلى التفاؤل بأى حال من الأحوال.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة