الوحدات البيطرية فى القرى والمراكز الريفية واحدة من أهم المشكلات المزمنة، التى لا تجد حلولا جذرية لمعالجتها على مدار سنوات طويلة، والأزمة تتفاقم وتتزايد عام بعد الآخر، ارتباطا بالتوسع فى نشاط الثروة الحيوانية، فى مواجهة قلة أعداد هذه الوحدات، وتقادم الكثير منها وعدم صلاحيته لتقديم خدمات بيطرية حقيقية للمزارع أو الفلاح الذى يعمل فى مجال الثروة الحيوانية.
عشرات بل مئات القرى لا توجد بها وحدة أو عيادة بيطرية، فى حين نسمع تصريحات بين الحين والآخر عن الدعم اللا محدود للوحدات البيطرية ورصد الملايين لعمليات رفع الكفاءة والتطوير، كان آخرها ما صرحت به الدكتورة منى محرز نائب وزير الزراعة، التى ذكرت أنه تم تدعيم جميع الوحدات البيطرية على مستوى الجمهورية بمبلغ 50 مليون جنيه من أجل التلقيح الصناعى للحيوانات، فى حين أن 99% من خدمات الطب البيطرى فى قرى الريف المصرى يؤديها أطباء بيطريين يعملون بصورة مستقلة وليس لهم علاقة بالوزارة، مع العلم أن تكليفات تعيين الأطباء البيطريين متوقفة منذ عام 1995، أى ما يقرب من 24 عاما تقريبا.
فى القرى بالصعيد أو وجه بحرى لن تجد مزارع أو فلاح يتوجه إلى الوحدة البيطرية أو المستشفى البيطرى، لأنه لن يجد هناك شيئا، لا علاج أو اهتمام أو متابعة، وسيدفع ما يدفعه لدى الطبيب البيطرى الخاص، فقد توقف دور الوحدات البيطرية عند الأدوار التقليدية الموسمية التى تتم بين فترة وأخرى، مثل تطعيمات الحمى القلاعية والوادى المتصدع، والحملات التى تتم صيفا وشتاء، وتكون عبارة عن يوم أو يومين فى كل قرية، لينتهى موسم العمل، الذى يتقلص لشهرين فى السنة.
الطب البيطرى فى مصر يعانى أزمة حقيقية تحتاج إلى حلول جذرية وعاجلة، للحفاظ على الثروة الحيوانية، وتقليل الفجوة الناتجة عن استيراد اللحوم بالعملة الصعبة.. فنحتاج إلى رفع كفاءة وتطوير الوحدات البيطرية، وتأسيس وحدة فى كل قرية، وفتح الباب لتعييات جديدة فى قطاع الطب البيطرى، والرقابة على الوحدات الخاصة وأماكن بيع الأدوية البيطرية، التى نتابع خلال الفترة الأخيرة أخبارا تتعلق بغش هذه الأدوية وانتهاء صلاحية بعضها.
لا يمكن أن يدفع الفلاح الثمن كل صيف فى مرض الجلد العقدى الفتاك، الذى يأكل أبقار الفلاح لدرجة أن الدود يخرج منها وهى حية، لعدم وجود علاجات ناجحة أو لقاحات متطورة تمنع الإصابة بالمرض، الذى دمر قرى بالكامل العام الماضى فى صعيد مصر، خاصة محافظات بنى سويف والفيوم والمنيا، نتيجة الأدوار التقليدية التى تقوم بها الوحدات البيطرية، إلى جانب غياب التدريب والتأهيل والدورات العلمية للأطباء البيطريين الموجودين فى القطاع الخاص، الذين لا يتلقون تعليما مستمرا نتيجة عدم وجود أى حافز أو دعم لهم، بالإضافة إلى ضعف نقابتهم وعدم قدرتها على تقديم خدمات حقيقية لها علاقة بالتأهيل العلمى أو الدورات التدريبية.
نحن لا نقلل من حجم الجهود التى تبذل فى قطاعات الثروة الحيوانية التى شهدت تطورا كبيرا خلال الفترة الماضية، ولكن يجب أن نعمل على الحفاظ عليها وتنميتها وتوفير الرعاية البيطرية اللازمة لتلك الثروة المهمة، بما يؤكد أن هيئة الخدمات البيطرية فى وزارة الزراعة تحتاج إلى مراجعة سياساتها وتطوير برامجها بما يخدم أهداف الحكومة نحو دعم الفلاح وتقليل حجم الاستيراد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة