قبل أكثر من عام ونصف اتخذت الحكومة قرارًا جريئًا بفرض رسوم نهائية لمكافحة الإغراق على الواردات من صنف حديد التسليح (أسياخ ولفائف وقضبان وعيدان) المصدرة من أو ذات منشأ الصين وتركيا وأوكرانيا لمدة 5 سنوات، وخلال شهر أبريل الماضى تم فرض رسوم مؤقتة على واردات الحديد بنسبة 25% والبيليت 15%، بهدف حماية الصناعة المحلية، فهل تعاود الحكومة اتخاذ قرار جريء بفرض رسوم على الواردات من الحديد والبيليت لمدة 3 أو 5 سنوات؟.
عدد كبير من المكاسب الاقتصادية، التى حملها القرار رقم 346 لسنة 2019 والذى قضى بفرض تدابير وقائية مؤقتة على الواردات من صنف حديد التسليح "أسياخ وقضبان وعيدان"، منتجات جاهزة من حديد بنسبة 25% أو صلب من غير الخلائط "البيليت" بنسبة 15%، فهناك فوائد سواء لصناعة الصلب أو للصادرات، تدفع فى اتجاه تجديد فرض الرسوم لمدة 3 أو 5 سنوات.
ولعل أبرز إيجابيات ومكاسب هذا القرار، هو حماية الصناعة الوطنية، حيث تحقق مصر الاكتفاء الذاتى من الصلب، عبر عدد من المصانع الكبرى، والعشرات من خطوط الإنتاج وآلاف العمال، باستثمارات تتخطى 150 مليار جنيه، إضافة إلى حماية آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة، وجميعها كانت مهددة بتراجع الصناعة المحلية لصالح المنتجات المستوردة، والتى كانت ترد بأسعار مغرقة.
كما أن القرار بحماية صناعة الحديد المحلية، مرتبط أيضًا بتنمية الصادرات، وأنها ستكون المستفيد الأكبر بعد الصناعة الوطنية من فرض هذه الرسوم، حيث من المقرر تحويل كل الرسوم المحصلة على واردات الحديد والبيليت إلى صندوق دعم وتنمية الصادرات، ونص القرار رقم 346 لسنة 2019 فى مادته الثالثة، على أنه يتم تحصيل الرسوم المشار إليها فى الحساب رقم (9/450/88042/8/) بالبنك المركزى المصرى، لحساب صندوق تنمية الصادرات (حساب الخزانة الموحد).
فوائد ومكاسب أخرى تدفع فى نفس اتجاه تجديد الرسوم لمدة 3 أو 5 سنوات، بحسب ما تقتضيه ظروف الصناعة، وكذلك ما ستسفر عنه التحقيقات، وذلك عقب انتهاء مدة الرسوم المؤقتة والتى تنتهى فى أكتوبر 2019، لعل أهمها الحد من نزيف الدولار، والعملة الصعبة لصالح المنتجات المستوردة، فى ظل وجود بدائل محلية ذات جودة عالية، وهذا التوجه يتسق تمامًا مع رؤية الدولة لزيادة الاعتماد على المنتجات الوطنية، مع تعميق وزيادة نسبة المكون المحلى فيها، فى مواجهة الاستيراد، خاصة أن البديل المحلى أفضل من المستورد فيما يخص الحديد والصلب عموما، فلدينا مصانع متطورة وتخرج بمنتج يصلح لكل الأغراض.
ومع زيادة القدرات الإنتاجية لمصانع الحديد فى مصر تقدر بقرابة 12.5 مليون طن سنويا، وفق تقديرات غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات، فى حين أن احتياجات السوق المصرى مقدرة بـ7.5 مليون طن سنويا، إذن هناك فائضا إنتاجيا يصل إلى 5 ملايين طن حديد سنويا، وإذا ما أضفنا لذلك حجم الاستيراد المقدر بـ 1.2 مليون طن، سنجد أن الصناعة المحلية فى طريقها للانهيار، حيث بدأت المصانع ذات دورة الإنتاج الكاملة التراجع بحجم إنتاجها ووقف خطوط إنتاج كاملة، لمواجهة أزمة تخمة المعروض التى حققت فائض بنسبة 400 %، ومع وعى المسئولين والمحققين فى قطاع المعالجات التجارية بوزارة التجارة، لهذه الحقائق، فإن الدلائل تشير إلى تجديد الرسوم.
وكشفت تحقيقات القضية حدوث زيادة فى واردات الحديد لتسجل ارتفاعًا بنسبة 31% خلال النصف الثانى من 2018 لتسجل 908733 طنًا مقارنة بالنصف الأول من 2017 والتى سجلت 696176، وزيادة حجم الواردات بالنسبة للإنتاج المحلى خلال النصف الثانى من عام 2018 مقارنة بالنصف الأول من عام 2017 بنسبة 17%، إضافة إلى زيادة فى الواردات ألحقت ضررًا جسيمًا لبعض مؤشرات الصناعة المحلية، حيث بلغت نسبة الواردات إلى الإنتاج 117% خلال النصف الثانى من 2018 مقابل 113% خلال النصف الأول من نفس العام، وهو ما يدفع الحكومة لتجديد الرسوم الوقائية وفرضها لمدة 3 سنوات.
ويوفر قطاع صناعة الحديد أكثر من 30 ألف وظيفة مباشرة، بخلاف آلاف فرص العمل غير المباشرة، إذن التوجه الحكومى لحماية قطاع صناعة الحديد والصلب، لم يأت من فراغ، ولكنه بهدف الحفاظ على استثمارات ضخمة بمليارات الجنيهات، ووظائف بالآلاف، وكذلك الحفاظ على قطاع الحديد والصلب فى مواجهة الاستيراد من شأنه الحفاظ على صادرات سنوية تقدر بمليار دولار.
ولعل تصدر صناعة الحديد والصلب والمعادن الثمينة وسبك المعادن بالنسبة الأكبر فى قيمة الإنتاج الصناعى خلال الربع الثالث يوليو - سبتمبر 2018، حيث بلغت 20.8%، ويليه نشاط صناعة المنتجات الغذائية بنسبة 16.1%، بحسب الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، يدفع فى نفس اتجاه الحكومة للحفاظ على صناعة الحديد والصلب فى مواجهة الواردات الأجنبية، إضافة إلى أن التوسعات الاستثمارية لهذا القطاع الحيوى "صناعة الصلب المراحل المتكاملة"، والتى قد تصل تكلفة إنشاء مصنع جديد لها 800 مليون دولار، من شأنها تتزايد الفترة المقبلة، إذا استمرت الحكومة فى طريق حماية الصناعة الوطنية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة