انقضت الأيام الأولى معلنة عن بدء امتحانات الثانوية العامة، حيث تتكرر المشاهد ذاتها، جلوس الأمهات أمام اللجان ، حاملات مصحفهن بين أيدهن، وكذلك ألسنتهن التى تبتهل بالدعاء لأبنائهن وبناتهن، أما عن الطلبة والطالبات لطالما سكن التوتر قلوبهم، و تسلل الخوف إلى ارواحهم، مما انعكس ذلك على وجوههم بالقلق وفقدان السيطرة على أعصابهم، مما يدفع البعض إلى الانتحار من شدة فزعهم، وآخرون قد تصبهم حالة من الإغماء بسبب هبوط حاد بالدورة الدموية قد تصل أحياناً إلى وفاتهم فى الحال.
أقف مشدوهة أمام تلك هذه المظاهر التى تتكرر كل عام، ومع ذلك لم نحاول يوماً أن نغيرها، كيف ندفع بأبنائنا لزج بهم فى هوة الموت ،لماذا علينا أن نحشو رؤوسهم أنهم أن لم يتحصلوا على مجموع يفتح لهم أبواب الجامعات العليا،فالموت أولى بهم، وسيكون الضياع مصيرهم المنتظر، كيف نعيش فى ظل هذا التطور التكنولوجى الهائل، ومازلنا نطلق على الثانوية العامة "سنة تحديد المصير ".
لابد أن ننسف تلك المفاهيم العقيمة، وعلينا أولا أن نبدأ بالأسرة، عليها أن تتخلص من عقدة "ابنى الدكتور "بنتى المهندسة" لابد أن يعى أولياء الأمور أن العامل النفسى للطالب مهم، وكفيل فى أن يكون سبباً فى تحقيق النجاح أو الفشل، فقد يكون الطالب متمكن من أدواته، وقدراته العقلية فائقة، ولكنه فاقد الثقة فى نفسه بسبب ما يتلقاه من تعنيف وما يصب فى أذنيه من غضب وسخط، فمن أسوأ عادات الأسر المصرية التى يتبعوها مع الأبناء "أسلوب المقارنات " أن يقارن الأب ابنه بابن أخيه، وكذلك تتلقن الابنة دروساً من أمها بسبب بنت خالتها التى يلقبها أفراد عائلتها "بالدكتورة ".
أما عن دور الطالب، فعليه أيضا أن يحدد أهدافه قبل أن يلتحق بالمرحلة الثانوية؛ الكلية التى يرغب الانضمام إليها، قدوته فى المجال الذى يحلم بدراسته، طموحاته آماله، الإضافة التى يحلم أن يضيفها فى التخصص الراغب بدراسته، ليس المهم أن تجتاز امتحانات الثانوية العامة لتنتقل للمرحلة الجامعية، ولكن المهم أن تسعى بشغف حتى تصبو إلى المجال الذى تتوق إلى دراسته .لاجدوى من وجودك فى مجال تبغضه ولا تجد نفسك به لمجرد أن عقولنا قد ترسبت بأركانها فكرة الالتحاق "بكليات القمة " لن يذكرك التاريخ إذا كنت شخصاً عادياً فى مجال الطب، ولكن قد يشار إليك بالبنان إذا كنت رساماً متميزاً أو كاتباً مرموقاً.
ليت هذا المنظور الخاطئ يتغير، ونبعث بفكر يحث على أن الثانوية العامة ليست نهاية العالم، إنما هى مرحلة تعليمية نمر بها كسابقاتها، وأنها بوابة العبور للتخصص الجامعى الذى يؤهلنا فيما بعد لسوق العمل والحياة العملية، وأنها السنة التى تدفعنا لدراسة ما نتلهف للعمل به فى السنوات القادمة، علينا أن نوسع الأفق نحو رؤيتنا لثانوية العامة، وننظر إليها على أنها السنة التى يتشكل فيها الطالب لكى يصبح من خلالها عضواً صالحاً فى المجتمع، فليكن التحاقك بالثانوية العامة من أجل أن تخلق لنفسك طريقا يحمل هويتك وبصمتك ، لذلك لا تسمح لأحد أن يقودك فى الطريق الذى يسير به القطيع، لتنساق وراء عادات المجتمع المقيتة، ولا تنصاع للمظاهر الاجتماعية الخداعة على حساب ميولك الشخصية وأحلامك، وتذكر أن تيسر وحيداً فى الطريق الصحيح أفضل بكثير من أن تكون زعيماً فى الطريق الخاطئ .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة