مكالمة مطولة تلقيتها من فلاح من مركز البرلس بمحافظة كفر الشيخ، تلخص جزءا مهما من مشكلات الفلاحين والزراعة والتجارة والأسعار والوسطاء فى مصر، الرجل لديه وعى كبير بالكثير من مشكلات تسويق المنتجات الزراعية فى الريف المصرى، لكنه لا يملك من أمر نفسه شيئا ويجد نفسه وهو الذى يعمل وينتج معرضا للسجن، فضلا عن الفقر بسبب غياب نظام تسويق مناسب للمنتجات الزراعية وترك السوق لهوى التجار والوسطاء الذين يظلمون الفلاح مرة ويظلمون المستهلك مرة، وبالتالى فإن المواطن يذهب ضحية لغياب التسويق الجيد.
ولهذا فإن فلاح البرلس يبعث برسالة إلى من يهمه الأمر لعل وعسى تصل هذه الرسالة إلى الحكومة والمسؤولين ليفكروا فى طريقة يعالجون بها هذا الخلل، الذى يمثل بالفعل واحدة من معضلات أزمات الفلاحين والمستهلكين فى مصر، فضلا عن أنها تضيع على الدولة أموالا كثيرة يمكن أن تساهم فى الدخل القومى من خلال التصدير لمنتجات زراعية يفترض أنها تساوى وزنها ذهبا إن أحسن استغلالها.
ثم إن رسالة فلاح البرلس تلخص بذكاء مشكلة الفلاحين، وهم واحد من أهم القطاعات المنتجة التى تعانى ظلما فى مصر، بالرغم من أنهم يمثلون قطاعا واسعا من أهم القطاعات المنتجة التى تحظى بالرعاية والدعم فى دول كثيرة من العالم.
ملخص ما قاله فلاح البرلس فى مكالمته التى طالت، إن هذا المركز وقراه بمحافظة كفر الشيخ معروف بأنه أحد أهم مراكز زراعة الخضروات والفاكهة فى الوجه البحرى، الخيار والطماطم والبطيخ والشمام والجوافة وباقى سلسة الخضراوات والفاكهة، وهو نموذج للمراكز التى تساهم فى الإنتاج الغذائى بكثافة وجودة، نظرا لطبيعة الأرض الخصبة الصالحة لإنتاج الخضار والفاكهة.
ومع هذا فإن الفلاحين فى البرلس وغيرها فى الوجه البحرى والصعيد، يزرعون وينتجون أجود أنواع الخضراوات والفاكهة ، لكنهم اكتشفوا أن العمل وحده لا يكفى، وأنهم يعانون كل أنواع المعاناة بسبب اختلال واضح، يحرمهم من عائد جهدهم ويدفع بهم للفقر والديون.
يقول فلاح البرلس إنهم يعجزون عن بيع منتجات أرضهم بسبب انخفاض السعر الذى يقدمه التجار، حيث يصل سعر الخيار والطماطم والبطيخ إلى أقل من خمسين قرشا، الأمر الذى لا يساوى سعر النقل، وبالتالى يتركون هذه الثروة لتتعفن وتتحلل فى الأرض، وفى المقابل فإنهم يعرفون أن هذه الخضراوات تباع بأسعار مضاعفة، لأن التجار والوسطاء، يشترون كميات محددة تجعلهم قادرين على التحكم فى الأسعار، وبالفعل إذا نظرنا إلى أسعار الخضراوات والفاكهة فى المدن والمحافظات والقاهرة نكتشف أن البطيخ يصل إلى 5 جنيات إلى 7 جنيهات للكيلو، ونفس الأمر للخيار والبصل والطماطم وغيرها.
الفلاح يقول إنه يعجز عن تحصيل ما أنفقه فى الزراعة، ويعجز بالتالى عن سداد أقساط القرض، بينما يرى التجار وهم يبيعون بأسعار مضاعفة ويحققون أرباحا، مستغلين قدرتهم على التحكم فى العرض بما يضمن لهم التحكم فى الأسعار.
بالطبع الفلاحون مضطرون للبيع بالسعر الذى يفرضه الوسيط، أو ترك المحصول ليتعفن فى الأرض وفى كل الأحوال يخسورن ومعهم يخسر المستهلك، ويطالب الفلاحون الحكومة بالتدخل وفتح باب التصدير لهذه المنتجات المطلوب عالميا، أو دعم تكوين شركات تسويق يمكنها أن تحقق أرباحا وتساعد الفلاحين فى تصريف منتجاتهم بأسعار عادلة.
رسالة فلاح البرلس تلخص معاناة الفلاحين والمستهلكين، ولا مانع من أن يربح الوسطاء بشرط أن يضمنوا سعرا عادلا يمكن الفلاح من تغطية تكاليف الإنتاج، لأنه استمرار هذه السياسة تؤدى لإنصراف الفلاح عن الزراعة. لأنهم أيتام على موائد الوسطاء والتجار.
نحن أمام معادلة مختلة، الفلاحون يبيعون بأسعار متدنية، والمستهلكون يشترون بأسعار مضاعفة، وملايين الأطنان من الخضار والفاكهة تضيع وتتحلل بلا عائد بينما تمثل ثروة، ويمكن للدولة أن تنصف الفلاح وتضاعف الدخل القومى وتخدم المستهلك، بدعم إقامة شركات ومشروعات صغيرة للتسويق، يمكن أن تفيد كل الأطراف.