منذ صباح السبت الماضى الذى شهد الإعلان عن قرارات المجمع المقدس للكنيسة القبطية ليونيو 2019 وهو الهيئة العليا فيها، لم تتوقف ردود الأفعال فى الشارع القبطى، بعضها يسأل ويستفسر عن قرارات المجمع وتوصياته، بينما يواصل البعض الأخر هجومه على القرارات دون أن تتوفر حتى الساعة أية معلومات إضافية عما ورد فى البيان الختامى الذى تأخر صدوره ما يزيد عن 30 ساعة عن موعده.
ماذا يعنى كتابة دستور لإيمان الكنيسة القبطية؟
ضمن توصيات لجنة الإيمان والتعليم بالمجمع المقدس، جاءت العبارة "تشكيل لجنة لوضع دستور إيمان الكنيسة القبطية الأرثوذكسية"، متبوعة بقرار ثانى يمنح الأنبا هدرا مطران أسوان مسئولية تأسيس لجنة إيمان فرعية، تناقش كل ما ينشر عن الكنيسة، سواء من كتب أو منشورات أو على الوسائط الإلكترونية، ولكن ما الذى يعنيه كتابة دستور إيمان للكنيسة القبطية.
"دستور الكنيسة"، وفقا لما أوضحه أحد معلمى اللاهوت القبطى بالكلية الإكليريكية، هو بنود تشرح إيمان الكنيسة القبطية وعقيدتها فى نقاط محددة، كأن تشرح الأسرار المقدسة ومفهومها، والثالوث المقدس وجوهر وأقنوم وطبيعة المسيح والخلاص وغيرها.
المعلم الكنسى الذى رفض الإفصاح عن اسمه، قال لـ"اليوم السابع"، أن تجربة كتابة دستور للكنيسة متبعة فى الكثير من كنائس العالم على رأسها الكنيسة الإنجيلية المصرية، والكنيسة الأرثوذكسية السريانية، وكذلك الكنيسة الكاثوليكية التى كتبت إيمانها من خلال دستور، بالإضافة إلى ما يسمى "الكاتشيزم"، أى على طريقة السؤال والجواب، وهى أطلقها الكاهن القمص تادرس يعقوب مالطى أحد أشهر معلمى اللاهوت فى الكنيسة القبطية، ممن على قيد الحياة.
وأشار المعلم الكنسى، إلى أن الأرشيديكيون القديس حبيب جرجس مؤسس مدارس الأحد، أول من أقدم على خطوة إعداد سلاسل تعليمية بطريقة الكاتشيزم، كانت من بين مناهج مدارس الأحد وقت تأسيسها، فأعد سلسلة من 3 كتب تناسب المرحلة الابتدائية تحت عنوان: خلاصة الأصول الايمانية فى معتقدات الكنيسة القبطية،وقد طبعت من هذه السلسلة أكثر من عشرة طبعات (الطبعة العاشرة بتاريخ 1936)
ولفت المعلم الكنسى، إلى إن كتابة إيمان ودستور الكنيسة سيجنب الكنيسة القبطية صراعات وخلافات تحدث حاليًا، بسبب عدم الاتفاق على مفاهيم إيمانية تسبب فى تصيد الأخطاء للآباء الأساقفة والمعلمين الكنسيين من قبل تيارات كنسية متشددة وجماعات ترى إن مهمة حماية الإيمان وعقائد الكنيسة الصحيحة وظيفتها الأساسية، موضحا أن الخطوة التى أقدم عليها المجمع المقدس ستغلق أبواب من الجدل، وتحفظ الإيمان الأرثوذكسى، وتسلمه للأجيال القادمة.
وأوضح المعلم الكنسى، أن لجنة الإيمان الفرعية التى يترأسها الأنبا هدرا، سوف تعمل مستقبلا فى ضوء هذا الدستور الإيمانى بالشكل الذى يجعلها قادرة على تقييم أو إرشاد أو محاسبة كل من ينشر تعاليم خاطئة ضد تعاليم وإيمان الكنيسة.
كيف استكمل البابا تواضروس إصلاح الشئون المالية فى الكنيسة العريقة؟
أثارت قضية لجان البر المختصة بالإنفاق على الفقراء والحالات الإنسانية جدلا واسعا الشهر الماضى، بعد حادثة مقتل القس مقار عيسى كاهن كنيسة شبرا الخيمة، على يد فراش الكنيسة، حيث قيل أن الفراش أراد تجهيز ابنته من أموال الكنيسة، بينما أكد الانبا مرقس مطران شبرا الخيمة، أن لجان البر تتكفل بأسرته، وأن الحادث لا علاقة له بالمال من قريب أو بعيد، إلا أن تلك القضية لفتت نظر المجمع المقدس للكنيسة لمواصلة الإصلاح الإدارى فى هذا الملف الإنسانى.
ينص قرار لجنة الإيبراشيات على "إنشاء صندوق لرعاية الإيبارشيات ذات الاحتياج بحيث تشارك فيه كل الإيبارشيات بشكل اختياري عملًا بالمبدأ الإنجيلي: "وكان عندهم كل شيء مشتركًا" (أع 44:2) " ، كما ينص قرار لجنة الرعاية والخدمة على "تفعيل قاعدة البيانات للتكامل بين لجان البر بالإيبارشيات معًا ومع اللجنة المركزية بالبطريركية"، حيث تعود فكرة قاعدة البيانات إلى برنامج البابا تواضروس للرعاية الاجتماعية الذى بدأ قبل ستة سنوات.
فى العام 2013 كلف البابا تواضروس الثانى سكرتيره للرعاية الاجتماعية القمص بيشوى شارل بالإشراف على مشروع للرعاية الاجتماعية، حيث رأى وضع كافة عائلات الرعاية الاجتماعية أو إخوة الرب على قاعدة بيانات موحدة قوامها وأساسها الرقم القومى للفرد، لأنها التفصيلة الوحيدة التى لا تتكرر مرتين، ثم يدخل القائمون على المشروع كافة بيانات عائلات الرعاية الاجتماعية على مستوى الكرازة فى مصر، وتلتزم بسرية هذه البيانات، لأنها تتضمن سيرة ذاتية وبحث حالة كامل عن تلك الأسر، واستمرت الخدمة لأنه رأى أنه من غير اللائق أن يتجول إخوة الرب على الكنائس يطلبون العطايا بشكل ينتقص من كرامتهم، وذلك وفقا لما أكده القمص بيشوى شارل لـ"اليوم السابع" فى حوار سابق أجرى عن هذه الخدمة.
كيف وضعت الكنيسة برنامجا لتأهيل الأساقفة الجدد؟
"تأجيل تجليس الآباء الأساقفة الجدد فترة من شهر إلى 3 أشهر حتى يتفرغ الأب الأسقف للدراسة وتبادل الخبرات"، كانت تلك التوصية الأولى للجنة شئون الإيبراشيات.
وفقا لتقليد الكنيسة فإن البابا البطريرك يختار الآباء الأساقفة من بين رهبان الأديرة المشهود لهم بحسن السيرة والإخلاص دون أن يستلزم ذلك بالضرورة القدرات والمهارات الإدارية، الأمر الذى تسبب فى بعض المشكلات بالإيبراشيات نتيجة غياب الخبرات الحياتية عن رهبان الأديرة الذين انعزلوا فى الصحراء لسنوات طويلة أبعدتهم عن معطيات الحياة الحديثة، وإن كان تكليف الكثيرين منهم بالخدمة ككهنة فى الكنائس قد ساهم فى تقليل تلك الفجوة.
فى السنوات الماضية، كان البابا تواضروس، يميل لرسامة أسقف للإيبراشية ويجلسه عليها مباشرة، ثم تراجع البابا بعد ذلك، وأصبح أكثر ميلا لرسامة أساقفة عموم (أسقف عام غير مرتبط بالخدمة فى مكان معين) بالشكل الذى يسمح له بنقل الأسقف من إيبراشية لأخرى، مثلما جرى مع الانبا ماركوس أسقف دمياط وكفر الشيخ الحالى، الذى خدم كأسقف عام فى القاهرة ثم انتقل إلى دمياط بعد وفاة أسقفها الانبا بيشوى، وكذلك الأنبا هرمينا الذى خدم فى القاهرة ويخدم حاليا فى الإسكندرية، والأنبا ايلاريون الذى خدم فى عزبة الهجانة بالقاهرة، ونقله البابا للإسكندرية، والأنبا اكليمنضس الذى خدم فى شرق كندا، ثم انتقل لعزبة الهجانة وهكذا.
رسامات البابا تواضروس الأخيرة شهدت تجليس أساقفة البحر الأحمر وشرق كندا و منفلوط على مقاعدهم مباشرة، دون المرور بتجربة الأسقف العام التى انتهجها البابا سابقًا، مما دفعه لتوصيتهم بضرورة السفر إلى الايبراشيات المختلفة، للتعرف على التجارب الإدارية للآباء الأساقفة الذين سبقوهم للخدمة، وقال لهم خلال صلوات الرسامة:
"عليكم أن تزوروا بعض الكنائس والايبراشيات فى الوجهين بحرى وقبلى والقناة ولمدة شهر، كى تتعرفوا على أمور الإدارة ومهام الخدمة"، مطالبا الأساقفة والمطارنة بدعوتهم والاحتفاء بهم، و"عليكم الاستفادة من خبرات الآباء الأساقفة الذين سبقوكم للخدمة فى الإدارة، وذلك قبل أن تتجهوا لمقر إيبراشيتكم"، مقدما الشكر لله على نعمة الفرح التى ظلل بها الكنيسة.
بعد تلك الوصية، ظهر اثنان من الآباء الأساقفة الجدد بصحبة البابا تواضروس فى زيارته لكنيسة العذراء بمدينة السادات التى دشنها أمس، هما الأسقفان الأنبا إيلاريون أسقف البحر الأحمر، والأنبا ثاؤفيلوس أسقف منفلوط.
الوصية الشفاهية للبابا تمت ترجمتها إلى أحد توصيات لجنة الايبراشيات التى قررت تأجيل تجليس الأساقفة الجدد بإيبراشيتهم بالشكل الذى يسمح لهم بالتدريب، والتعرف على التجارب السابقة، كذلك الصلاة والوعظ فى كنائس مختلفة بالمحافظات حتى يتعرف شعب الكنيسة على الآباء الجدد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة