دعوى إثبات النسب تعتبر من الدعاوى التى تختص بها المحاكم المختصة، وفيها يقوم أحد أفراد الأسرة برفعها ويمكن أن يقوم الأب مثلاً بطلب إثبات نسب أبنائه أو الابن يقوم برفعها من أجل أثبات نسبه لأبيه او أمه ومثل هذه الدعوات تحتاج لوقت تحتاج للعديد من الجلسات للتحقق من الأدلة التى توجد فأغلب لأدلة تعتمد على DNA فحص الحمض النووى للشخص فهى من أقوى الدلائل أصحها.
وخلال الفترة الماضية زادت عدد دعاوى إنكار النسب المقامة أمام محكمة الأسرة، فقد كشفت أخر الإحصائيات أن عدد قضايا إنكار النسب قد وصل لـ5 آلاف قضية فى عام 2016، الأمر الذى يكشف عن وجود خلل فى العلاقات الأسرية، إلا أن القانون المصرى لم يترك الأمر دون التصدى له خاصة وأن هناك العديد من الأزمات التى تقع بسبب مسألة الإرث فى دعاوى إثبات النسب.
محكمة النقض المصرية فى الطعن المُقيد برقم 3 لسنة لسنة 74 القضائية – أحوال شخصية، تصدت للأمر حيث رسخت فى الحكم عدة مبادئ قانونية وهى أن قبول دعوى النسب بعد وفاة المورث شرطه هو أن تكون ضمن دعوى الحق، وأن اختصاص المحكمة بنظر دعوى الإرث بالنسبة لغير المسلمين، يكون مؤداه اختصاصها بنظر دعوى النسب التى تضمنتها، وعلة ذلك، أحكام الشريعة الإسلامية والتقنيات المستمدة منها فى شأن المواريث وتعيين أنصبائهم تسرى على جميع المصريين مسلمين أو غير مسلمين.
والمحكمة فى حيثيات الحكم قالت أن دعوى الإرث بسبب البنوة، تميزها عن دعوى إثبات الزوجية، هو ثبوت النسب بالإقرار، ويكون مؤداه عدم الحاجة لبحث أنه من زواج صحيح، أما أثره هو عدم اشتراط وجود وثيقة زواج رسمية، وعلة ذلك الإقرار بالنسب الذى يصدر مستوفياً شرائطه، ويكون مؤداه عدم احتماله للنفى سواء كان المقر صادقاً أم كاذباً، أما بالنسبة لإنكار الورثة نسب الصغير بعد إقرار الأب يكون أثره عدم الالتفات له، وعلة ذلك تمسك الطاعنة أمام محكمة الموضوع بأن مورثها باشر إجراءات قيدها بسجلات المواليد يعد إقراراً منه ببنوتها يمتنع معه الإنكار أو العدول عنه شرعاً.
الوقائع ـــــ حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق ــــــ تتحصل فى أن الطاعنة أقامت الدعوى رقم 55 لسنة 2002 أحوال شخصية ملى أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية على المطعون ضدهم بطلب الحكم ببطلان الإعلام الشرعى والحكم بثبوت وفاة المورث، وانحصار إرثه فى أولاده الطاعنة والمطعون ضدهم وزوجته / «.....»، «.....»، وقالت بياناً لها أن والدها المذكور توفى بتاريخ 25/7/1996 وإذ استصدر المطعون ضده الأول إعلام الوارثة موضوع الدعوى وأسقط فيه الطاعنة ووالدتها رغم أحقيتهما فى وراثته باعتبارها ابنة للمتوفى ووالدتها زوجة له ومن ثم أقامت الدعوى.
قضت المحكمة برفض الدعوى بحالتها استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم 334 لسنة 59 ق أحوال شخصية الإسكندرية وبتاريخ 22/11/2003 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف، وطعنت الطاعنة فى هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأى برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة ـــــــ فى غرفة المشورة ــــــ فحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون والقصور فى التسبيب وفى بيان ذلك تقول أن الحكم الابتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بنفى نسبها لوالدها / «.....» استناداً إلى أن مورثها كان يجمع بين زوجتين وأنهما يدينان بالمسيحية التى لا تأخذ بمبدأ تعدد الزوجات، وإذ تمسكت فى دفاعها بأن مورثها هو الذى قام بقيدها بسجلات المواليد واستخرج لها شهادة الميلاد مما يعد إقراراً ببنوتها لا يجوز العدول عنه شرعاً، وكان الحكم المطعون فيه قد أغفل بحث هذا الدفاع الجوهرى الذى يتغير به وجه الرأى فى الدعوى فإنه يكون معيباً يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعى فى محله، ذلك أن المقرر ــــ فى قضــاء هــــذه المحكمـــة ـــــ أن إغفال الحكم بحث دفاع أبداه الخصم يترتب عليه بطلانه إذا كان هذا الدفاع جوهريا ومؤثراً فى النتيجة التى انتهت إليها المحكمة إذ يعتبر هذا الإغفال قصوراً فى أسباب الحكم وأن دعوى النسب بعد وفاة المورث لا يمكن رفعها استقلالاً بالنسب وحده بل يجب أن تكون ضمن دعوى حق فى التركة يطلبه المدعى مع الحكم بثبوت النسب مما ينبنى عليه أن اختصاص المحكمة بالنظر فى دعوى الإرث بالنسبة لغير المسلمين يستتبع ضمنا اختصاصها بدعوى النسب عملاً بقاعدة أن قاضى الأصل هو قاضى الفرع فلا مجال للقول بفصل دعوى النسب عن دعوى الميراث وأن أحكام الشريعة الإسلامية والتقنيات المستمدة منها تسرى على جميع المصريين مسلمين أو غير مسلمين فى شأن المواريث ومنها تعيين الورثة وتحديد أنصابهم.
وأن دعوى الإرث المبنى على النسب متميزة عن دعوى إثبات الزوجية وأنه متى ثبت النسب بالإقرار فلا حاجة لبحث ما إذا كان المطلوب نسبه من زواج صحيح إذ يكفى ثبوت النسب بأحد الطرق المقررة شرعاً ولا يشترط لإثبات النسب وجود وثيقة زواج رسمية وأنه متى صدر الإقرار بالنسب مستوفياً شرائطه فإنه لا يحتمل النفى ولا ينفك بحال سواء كان المقر صادقاً فى الواقع أم كاذباً، لأن النفى يكون إنكاراً بعد الإقرار فلا يسمع، وإذ أنكر الورثة نسب الصغير بعد إقرار الأب فلا يلتفت إليهم لأن النسب قد ثبت بإقرار المقر وفيه تحميل النسب على نفسه وهو أدرى من غيره بما أقر به فيرجح قوله على قول غيره وكان المتفق عليه عند فقهاء الحنفية أن الإقرار كما يكون بمجلس القضاء يصح أن يكون فى غيره، وفى حالة ثبوته يكون المقر كأنه أقر به أمام القاضى.
لما كان ذلك، وكانت الطاعنة قد تمسكت فى دفاعها أمام محكمة الاستئناف بأن مورثها / «.....» باشر إجراءات قيدها بسجلات المواليد بما يعد إقراراً منه ببنوتها يمتنع معه الإنكار أو العدول عنه شرعاً، وكان الحكم المطعون فيه لم يعرض لهذا الدفاع الجوهرى الذى من شأنه ـــــ أن صح ــــــ أن يتغير به وجه الرأى فى الدعوى فإنه يكون معيباً بالقصور بما يوجب نقضه دون حاجة لبحث باقى أسباب الطعن على أن يكون مع النقض الإحالة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة