ربما لايكون المعلق الرياضى وحده هو الذى يجهل «أن موريتانيا» دولة عربية، ولن يجد كثيرون لديهم شجاعة لإعلان عدم معرفتهم. والموضوع لا يتعلق فقط بمعلومات الجغرافيا والتاريخ، ويصل إلى واقع، فيه المعلومات أكثر، بينما المعرفة والوعى والحوار أقل.
وبينما يغرق عالم أدوات التواصل فى معارك النميمة، وصراعات التشنيع. ويشكو كثيرون من هذا فإن التيار الأغلب لرواد التواصل، هو من يمنح النميمة قوتها ويضعها فى «الترند». احتلت قضية اللاعب الشهير صدارة مشهد التداول على أدوات التواصل، وبلغت أعداد من «شيروا» مقاطع فيديو أو «برينت سكرين» آلاف خلال ساعات، وتتصدر نميمة الاشتباكات حول تصريح فنانة عربية، أو تويتة لإعلامية مجهولة، أو مشهد لمذيع يصرخ وتتراجع قضايا السياسة والثقافة إلى آخر طابور الاهتمامات. ولو ظهر فيديو لرقصة «رجل النملة»، أو لقطة «شات» العازب، سوف يحتل «الترند» بلا مناقشة.
البعض يتهم الإعلام، أو التعليم، بأنه وراء هذا الجهل بينما السيادة فى كل هذا لأدوات التواصل.. فهل الجمهور هو الذى «يصنع أم يريد». المستخدمون شركاء أصليون هم من يصعد بالترند ومن يلقى فى النسيان. وإذا كان الكل يشكو من شيوع التفاهة فمن يصنعها؟. كل هذه أسئلة تمثل الإجابة عليها فهم ما يجرى فى عصر نعرفه بأنه عصر المعلومات بينما نكتشف أننا نعرف أقل ونتحاور أقل.
وهنا مفارقة.. المعلومات الآن فى عصر الثورة التقنية، أضعاف ما كان متاحا قبل عشرين عاما، وهى معلومات على طرف الإصبع، أى معلومة يريد الواحد منا معرفتها ما عليه إلا أن يبحث عنها فى «جوجل»، لدرجة أن الثقة فى عصر المعلومات تدفع البعض للبحث عن أشيائهم الضائعة فى جوجل. ناهيك عن ملايين الصفحات فى كل المعارف والفنون والتسالى والعلوم والطبيخ واللعب والحب والنصائح والتنمية والعمل وربط الكرافتة ومسح الزجاج وتقشير البطاطس وتخصيب اليورانيوم.
ومع هذا فإننا كثيرًا ما نكتشف عند أول اختبار أننا وسط كل هذه المعلومات والمعارف، لا نعرف الكثير بل ونجهل معلومات ضرورية وأساسية. وحتى على مستوى التواصل، وبقدر ما تتزاحم وتتزايد أدوات التواصل فإن إنسان هذا العصر يعانى العزلة، حيث تتقطع العلاقات الإنسانية وتحل مكانها علاقات محفوظة ومجمدة ومشاعر «محنطة».
أصبحنا نستبدل الزيارات بالمكالمات، والرسائل، بل حتى الرسائل الحية تحل مكانها جاهزة وملصقات مكررة لا تحمل أى مشاعر. فضلًا عن أن أدوات التواصل مع فوائدها الكثيرة، تتحول فى بعض الأحيان إلى أدوات اغتياب واغتيال فى بعض الأحيان. وحيث تتراجع الجدية لصالح السطحية، والمعارف لصالح التفاهة، وتحل النميمة مكان الحوار، ويتصدر المشهد من هم أقدر على استخدام الأدوات وليس الأكثر معرفة، وقد نصل فى عصر المعلومات لنكتشف أن واجهات الإعلام يحتلها الأكثر ضجيجًا، وقدرة على السب والتشنيع. والواقع أن الأمر لدينا فى عالمنا العربى أكثر وضوحًا. ففى أوروبا والغرب نجد الجاد بجانب الهزلى، والعميق مع السطحى، والأكشن مع الدراما بينما يتركز نصيبنا فى «دوشة» ويتراجع الوعى. ونظل نشكو من شيوع الضجة ونقص الوعى.