قبل 6 سنوات، خرج الملايين فى الشوارع مطالبين بعزل الرئيس الإخوانى محمد مرسى، فاحتشد المواطنون فى الميادين مطالبين برحيله، بعدما أمضى عامًا واحدًا فى حكم مصر، أثبت فيه هو وجماعته بعدهم عن عقيدة الدولة المصرية، وفشلهم فى تلبية مطالب الشعب المصرى والمحافظة عليه، وتعمدوا خلالها افتعال الأزمات ومعاداة لتثور مؤسسات الدولة تنتفض وتقاوم أخوانتها، وشارك قضاة مصر للمرة الأولى فى ثورة ضد جماعة استهدفت السطو على السلطة القضائية.
واندلعت شعلة ثورة 30 يونيو عندما فتح النظام أكثر من جبهة فى معركته مع القضاء، بدأت بعد شهور قليلة من وصول الإخوان إلى الحكم، مع المحكمة الدستورية العليا، ثم مع النائب العام، وتارة أخرى مع جموع القضاة بشأن تعديل قانون السلطة القضائية، ففى 22 نوفمبر 2012 أصدر المعزول الإعلان الدستورى الذى قرر فيه محاربة قضاة مصر والقانون والدستور، وأعطى بموجبه صلاحيات مطلقة له وجعل القرارات الرئاسية نهائية غير قابلة للطعن من أى جهة أخرى، أى القضاء "كالمحكمة الدستورية" ليطلق مرسى لنفسه العنان فى إصدار أية قرارات دون اعتراض أحد عليها، وكذلك تحصين مجلس الشورى واللجنة التأسيسية بحيث لا يحل أيًا منهما "كما حدث لمجلس الشعب فى بداية حكمه"، وعدم قبول الطعون على الإعلانات الدستورية، أمام أى جهة قضائية، وتنقضى الدعاوى المرفوعة بهذا الشأن أمام جميع المحاكم، وإعادة محاكمات المتهمين فى القضايا المتعلقة بقتل وإصابة وإرهاب المتظاهرين أثناء ثورة 25 يناير، وعزل النائب العام المستشار عبد المجيد محمود من منصبه، وعرض عليه وظيفة سفير فى الفاتيكان، وهو ما أثار حالة غضب وثورة داخل الأوساط القضائية، ليعلن رفضه قبول المنصب الجديد وترك منصب النائب العام، ويضع مؤسسة الرئاسة فى حرج كبير، بعد أن أعلنت عن موافقته على توليه المنصب الدبلوماسى.
وظهر الصراع بين النظام الإخوانى والقضاء بالقرار الجمهورى بإعادة مجلس الشعب للانعقاد، رغم صدور حكم المحكمة الدستورية العليا بحله، فيما اعتبر تحديا من الرئيس للقضاء، لكن انتصرت المحكمة لحكمها وأصدرت حكما آخر بإلغاء قرار الرئيس، معتبرة إياه عقبة فى تنفيذ حكمها بحل مجلس الشعب.
وبعد الإعلان عن رفض الإعلان الدستورى، تمادى المعزول فى تحديه للهيئات القضائية، وقام التنظيم بحشد أنصاره أمام الهيئات القضائية، لتأييد الإعلان أمام دار القضاء العالى، والاحتشاد لمساعدة النائب العام الجديد فى دخول مكتبه فى جنح الليل وسط حراسة أفراد من الحرس الجمهورى وميليشيات الإخوان، كما بدأ أنصاره فى المبيت أمام المحكمة الدستورية العليا والاعتصام ليلة 2 ديسمبر لمنع قضاة المحكمة من الدخول والفصل فى دعاوى بطلان "الشورى والتأسيسية"، استمر الاعتصام أمام المحكمة إلى حين تم الاستفتاء على الدستور فى أواخر ديسمبر وتحصين "مجلس الشورى" من الحل، وإقصاء عدد من قضاة المحكمة الدستورية العليا بعد النص على تقليص عدد أعضائها إلى 11 قاضيا، ليخرج بموجب هذا النص 7 قضاة أشهرهم المستشارة تهانى الجبالى والمستشار حسن البدراوى، وكلاهما وقف فى وجه الرئيس المعزول محمد مرسى رافضين عدم إذاعة وبث أدائه القسم الدستورى أمام الجمعية العمومية للمحكمة وهو ما رضخ له "مرسى".
وتصدى قضاة مصر للاعتداءات على سلطتهم، حيث اتخذ المستشار عبد المجيد محمود الطرق القانونية بالطعن على قرار إقالته وبطلان تعيين النائب الإخوانى، وحصل على حكم من دائرة طلبات رجال القضاء بعودته إلى منصبه نائبا عاما مع بطلان تعيين الجديد، لكن حال عدم استلامه الصيغة التنفيذية للحكم من تنفيذه،كما تشكلت لجنة من نادى القضاة للدفاع عن استقلال القضاء، وخاض المستشار أحمد الزند، رئيس النادى، معارك مع النظام الحاكم، استطاع فى النهاية أن يربحها وينتصر.
ومع ظهور مقترح لتغيير قانون السلطة القضائية تقدم به حزب الوسط لمجلس الشورى فى أبريل2013، تعمقت أزمة الثقة بين مؤسستى القضاء والرئاسة، وكان البند الخلافى الأكبر فى المشروع هو تخفيض سن تقاعد القضاة إلى ستين عاما كما هو الشأن مع العاملين فى بقية الوظائف، وتولى المستشار أحمد الزند رئيس نادى قضاة مصر حينها والذى أٌطلق عليه "أسد القضاة" التصدى لهذه الهجمات، واقفًا بالمرصاد لمحاولات أخونة القضاء، وأعلن رفضه لتعديلات قانون السلطة القضائية الذى تم تمريره من خلال أحزاب الحرية والعدالة والبناء والتنمية والوسط، والتى تضمنت خفض سن تقاعد القضاة إلى 60 عاما بدلا من 70 عاما، فى مذبحة كانت ستطيح بحوالى 3500 قاضٍ من جميع الهيئات القضائية، كان للقضاء العادى النصيب الأكبر فيها.
ونظم مئات القضاة وأعضاء النيابة العامة وقفة احتجاجية أمام مقر دار القضاء العالى وسط القاهرة تقدمهم المستشار أحمد الزند الذى يرأس نادى القضاة احتجاجا على مشروع القانون، الذى عدوه بمثابة مذبحة للقضاة، خاصة ما يتعلق بخفض سن التقاعد للقضاة من 70 إلى 60 عاما، وهو ما من شأنه أن يتسبب فى إبعاد نحو 3000 قاض عبر إحالتهم للتقاعد.
ووقف المستشار الزند بمساندة شباب القضاة وأعضاء النيابة العامة فى وجه هذا المشروع المشبوه، المجلس الأعلى للقضاء انتقد الإعلان الدستورى وعدّه "اعتداء غير مسبوق" على استقلال القضاء وأحكامه، كما أصدرت هيئات قضائية أخرى كمحكمة النقض ونادى القضاة والمحكمة الدستورية العليا بيانات تندد فيها بالإعلان الدستورى وعدته محاولة للتغول على السلطة القضائية، حتى استطاعوا تجميده فى مجلس الشورى، وإسقاطه نهائيا بسقوط النظام ورحيل الإخوان عن الحكم.