يعد تولستوى صاحب الحرب والسلام وأنا كارنينا أحد أشهر الكتاب فى العالم، وبعيدا عن كتاباته العظيمة لقد تحولت حياته نفسها إلى رواية كبرى تدل على أن روحا عظيمة عاشت فى هذا العالم وماتت فى بدايات القرن العشرين.
ومنذ عرفنا الكاتب العالمي الكبير ليو تولستوى، عرفنا أيضا زوجته الكونتيسة صوفيا، وأخذنا موقفا ضدها، وذلك لأنهم قالوا لنا إنها طاردت الكاتب العظيم صاحب الأفكار الكبيرة المتجاوزة للذات، وأنه هرب منها ليموت فى محطة قطار بعيدة.
تخيلناها امرأة مجنونة مشعثة الشعر مترهلة الجسد ليس فى عقلها فكر ولا فى روحها ثقافة، بل إن مشاعرنا معها تجاوزت فكرة الضد ووصلت لحد الكراهية لهذه السيدة التى عاشت مع تولستوى نحو ثماني وأربعين سنة كاملة أنجبا خلالها ثلاث عشرة طفلا مات منهم خمسة، وبالطبع أى منا لم يفكر فى أن يضع نفسه فى مكان هذه السيدة التى رأت الضرر المباشر لأفكار زوجها على مستقبلها ومستقبل أبنائها.
لا أحد يقلل من قيمة تولستوى ولا من محبته للعالم ورغبته فى السلام وحتى أفكاره ضد الملكيات العامة، لكن لا يجوز لنا أثناء محبتنا لهذه الأفكار الطيبة، أن ننسى أن هناك فريقا التف حول المفكر العظيم صانعا حركة ما، دافعا تولستوى، الذي كان يفكر بشكل إنساني، إلى الثبات على صورة واحدة، محاولين تقديم صورة قديس زاهد، أو نبي جاء متأخرا قليلا، وهؤلاء كانوا الأكثر استفادة من أفكار تولستوى، وهم من دفعونا لصنع صورة الساحرة الشريرة للكنتيسة صوفيا.
ومؤخرا شاهدت فيلما عن السنتين الأخيرتين فى حياة ليو تولستوى اسمه (المحطة الأخيرة) من إخراج الأمريكى مايكل هوفمان، وكانت الممثلة الكبيرة هيلين ميرين تقوم بدور الكونتيسة صوفيا اندريفنا، وقد كشف الفيلم جانبا كبيرا من العلاقة بين الزوجين، المتصارعين والمتحابين فى الوقت نفسه، هي لا تفهم أفكاره، وحقيقة ليس المطلوب منها أن تفهمها، لأن هذه الأفكار ضدها، هى ليست ضد أن يفكر زوجها للعالم، لكنها ضد أن تمنح مزرعتها وبيتها لهذا العالم، بالطبع هذه الأفكار قابلة للنقاش والاتفاق والاختلاف، وهو أيضا كان يعلق صورة له مع صديقه المؤمن بأفكاره، لكن ما أريد الحديث فيه هو فهم طبيعة هذه السيدة التى ظلمها التاريخ وظلمتها الكتب، وظلمناها نحن فى القرى البعيدة حتى قبل أن نعرف أين تقع مزرعة تولستوى فى روسيا.
كان تولستوى يؤمن بأن ما يربط الأديان جميعا هو القدرة على الحب، وكانت مفاهيمة الحياتية قائمة على هذا الأمر، وكان هو وصوفيا رغم شجارهما المستمر متحبان أيضا، لكن من أحاط بهما لم يفهم ذلك حتى ابنته والتى استمرت معه حتى النهاية، لم تفهم ذلك وظنت أن امها ضد أبيها، وأنها لا تسبب له سوى الإزعاج فقط، وهو ما لم يكن حقيقيا طوال الوقت، بل كان إزعاجا ضروريا، يليق بحياة تولستوى.
ومؤخرا صدرت مذكرات صوفيا، لكن هذا يحتاج كتابة أخرى بعدما أنتهي من قراءة هذه المذكرات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة