جزء من أهداف الإرهاب هو خلق حالة من التشويش والارتباك والشك والمبالغة فى قدرات التنظيمات الإرهابية، والتقليل من قدرات القوات الوطنية، والمدهش أن هذا الأمر يتكرر مع كل حادث إرهابى، لكن أحدا لا يتعلم، ولدينا فائض من الادعاء والعمق السطحى يكفى ويفيض، يوفره خبراء الافتراض السطحى على مواقع التواصل. الذين يسعى كل منهم لجمع اللايكات والظهور فى صورة العالم الخبير بشؤون الإرهاب والتكتيك والاستراتيجية.
ويمكن مع كل حادث إرهابى التفرقة بين مؤيدى الإرهاب وداعميه وبين معاونيه رغما عنهم، ومن دون قصد، وربما بحسن نية أو رغبة فى جمع اللايكات والشير والظهور فى صورة الخبير العلامة الفهامة .
ومع كل عمل إرهابى هناك ردود أفعال متوقعة من المنصات المؤيدة للإرهاب، التى تمثل ظهيرا دعائيا للإرهاب، تحتفى بأى عملية وتبالغ فى وصفها، ولا يمكن توقع أن تأتى إدانة أو انتقاد للإرهاب من قناة الجزيرة وتوابعها فى تركيا ولندن، التى تنشر بيانات الإرهابيين، وتدافع عنهم، ثم تبدأ فى تحليلات تحاول فيها إلقاء اللوم على الثغرات الأمنية، وما أن تتجه القوات الأمنية للقبض على الإرهابيين وترد على نيرانهم، ساعتها تظهر منظمات حقوق الإرهاب، وتنتفض وتبرز أوراق حقوق الإرهاب، وتنصب مناحات، وكيف تمنع السلطات الإرهابيين من ممارسة حقهم فى التفجير والضرب وإطلاق الرصاص.
وكان آخر مثل هو ما جرى فى العريش صباح عيد الفطر، عندما هاجم الإرهابيون كمينا أمنيا بالعريش بالأسلحة الثقيلة والمتفجرات، وواجهتهم القوة الموجودة وقتلت منهم خمسة وقبضت على بعضهم وطاردت الباقين لتقتل بعضهم وتقبض على الآخرين.. ولو راجعنا رد فعل قنوات دعم الإرهاب يمكن مشاهدة تقلباتهم تأييدا للإرهاب، ودفاعا عن الإرهابيين.
أما عن خبراء « الكل حاجة» لدينا فقد كانوا جاهزين لتكرار موشحات التحليل والملامة، على «الناشف». قليلون فى العالم الافتراضى من يعترفون بنقص المعلومات، ويحاولون قراءة الصورة بشكل متواضع، لكن «هيهات» نحن أمام خبراء «عمقاء»، يعرف كل منهم دبة النملة، وأغنية «الصرصار»، ودواخل الإرهاب والحروب النظامية وغير النظامية.
الواحد منهم بعد لحظات من أى حادث إرهابى واستنادا إلى مجرد خبر يتحول إلى خبير فى الإرهاب والهجمات المرتدة، ينخرط فى تحليل الأمر وإصدار أحكام مرتديا وجه الحزن أحيانا، ووجه الخبير الناصح الأمين أحيانا أخرى، بصرف النظر عما يعرفه بالفعل حول الموضوع. الذى لا يتجاوز بوست أو لينك وضعه «فريند» افتراضى.
قضية الإرهاب لا تختلف لدى خبراء التحليل عن أى موضوع آخر، اقتصادى أو اجتماعى، تعليمىى أو صناعى، محلى أو دولى. هذا الخبير جاهز ويتحدث فى شؤون الإرهاب وما يجرى فى العريش، بنفس الطريقة التى يتناول فيها أمور الثورة السودانية، أو التطورات الجزائرية، وكرة القدم، ومسلسلات رمضان، وسوريا والعراق والدولار والجنيه والدينار.
نفس الصمت والوجه والقناع، لا يتوقف الواحد منهم ليلتقط أنفاسه، هو يستند فقط إلى آخر بوست على «تايم لاينه»، ليبدأ فى إصدار الأحكام، وتوجيه اللوم، فيشرح أى محلل لشؤون التكتيك الاستراتيجى، «المستطيل التربيعى».
اللافت للنظر أن خبراء «كل حاجة» عندنا جاهزون دوما للإدلاء بالرأى والتحليل فى أى من قضايا الكون، الواحد منهم يفتى فى الفرق بين الكمين الثابت والتحرك، ويلوم القوات فى الميدان، لأنها لم تأخذ بنصائحه العميقة حول ضرورة اتباع خططه الجديدة للمواجهة.
وبالطبع هناك فرق بين مؤيدى الإرهاب وبين خبراء بعضهم حسنى النية أو باحثين عن لايكات، يخاف الواحد منهم من الاعتراف بالجهل. فينخرط فى الإدلاء بتحليلات وأراء مرتبكة أو ناقصة إو سطحية أو يحلل معلومات أساسا مضروبة، ومثل هؤلاء يساهمون فى خلق حالة الارتباك أو التشويش وأحيانا يخدمون الإرهاب.