أصدر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، كتابا جديدا بعنوان "قواعد الفقه الكلية" والذى أعده عدد من علماء الأزهر بمشاركة وزير الأوقاف فى 75 صفحة تتحدث عن قواعد الفتوى، وتأثير النية فى تغيير الحكم الشرعى، وعن تغير الفتوى بتغير العرف وعن ضلالات الجماعات التى تفتى بظواهر النصوص فى تفسيرات تخالف قواعد الفقه وقواعد الفتوى.
وقال الكتاب فى شرحه لقواعد الفقه التى بدلتها الجماعات بمعان ومدلولات عكسية: أننا فى حاجة إلى إعمال العقل والتفكير فى مقاصد النصوص مع مراعاة الزمان والمكان والأحوال، فإننا نؤمن بأن بعض الفتاوى ناسبت عصرها وزمانها أو مكانها، أو أحوال المستفتين، وأن ما كان راجحًا فى عصر وفق ما اقتضته المصلحة فى ذلك العصر قد يكون مرجوحًا فى عصر آخر إذا تغيرت ظروف هذا العصر وتغير وجه المصلحة فيه، وأن المفتى به فى عصر معين، وفى بيئة معينة، وفى ظل ظروف معينة، قد يصبح غيره أولى تغيّرت الظروف، ما دام ذلك كله فى ضوء الدليل الشرعى المعتبر، والمقاصد العامة للشريعة؛ ما دام الأمر صادرًا عن من هو - أو من هم- أهل للاجتهاد والنظر.
ودلل المؤلف، على تغيير الفتوى بتغير الزمان والعرف، بقول العالم الإمام القرافى (رحمه الله) فى كتابه الإحكام: أنه ينبغى للمفتى إذا ورد عليه مستفتٍ –طالب فتوى- لا يعلم أنه من أهل البلد الذى منه المفتى وموضع الفتيا ألا يُفتيه بما عادته أن يفتى به حتى يسأله عن بلده، وهل حدث لهم عرف فى ذلك البلد فى هذا اللفظ اللغوى أم لا؟
وقال المؤلف: إننا نؤمن بالرأى والرأى الآخر، وبإمكانية تعدد الصواب فى بعض القضايا الخلافيّة، فى ضوء تعدد ظروف الفتوى وملابساتها ومقدماتها، وإذا كان بعض سلفنا الصالح قد قال: رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب، فإننا نذهب أبعد من ذلك فنقول: إن كلا الرأيين قد يكونان على صواب، غير أن أحدهما راجح والآخر مرجوح، فنأخذ بما نراه راجحًا مع عدم تخطئتنا لما نراه مرجوحًا، ما دام صاحبه أهلا للاجتهاد، ولرأيه حظ من النظر والدليل الشرعى المعتبر، فالأقوال الراجحة ليست معصومة، والأقوال المرجوحة ليست مهدرة ولا مهدومة.
وحول الظروف الاجتماعية والاقتصادية وأثرها على تغير الفتوى، قال المؤلف: ندرك أنَّ تسارع وتيرة الحياة العصـرية فى شتى الجـوانب العلميـة، والاقتصـــادية، والتكنولوجيـة، إضــافة إلى التقلبات والتكتلات والتحالفات والمتغيّرات السياسية والاقتصادية والحياتية والاجتماعية، كل ذلك يحتم على العلماء والفقهاء إعادة النظر فى ضوء كل هذه المتغيّرات؛ للخروج من دوائر الجمود التى تحاول بعض التيارات المتشددة فرضها من خلال فرض رؤيتها الجامدة المنغلقة على المجتمع.
ويتناول الكتاب عدة قواعد فقهية هى أساس علم الفتوى وصنعة الفتوى، منها قواعد الأمور بمقاصدها أى بالنوايا، وقاعدة اليقين لا يزول بالشك وتتناول الرد على الجماعات التى تطلب دليل على الثوابت الراسخة، وقاعدة المشقة تجلب التيسير، أى إذا كانت العبادة شاقة فهناك رخص شرعية تستثنى للتخفيف على الناس فى أحوالهم
ويرد الكتاب فى هذه القاعدة على جماعات التشدد حيث إن المشقة تعنى الشدة والجهد والعناء، والمشاق على قسمين: القسم الأول: مشقة لا تنفك عنها العبادة غالبًا، كمشقة الوضوء والغسل فى أوقات البرد الشديد، ومشقة الصوم فى شدة الحر وطول النهار، كالمشقة التى لا انفكاك للحج عنها، فلا أثر لهذه فى إسقاط العبادات فى كل الأوقات.
وتمثل هذه القاعدة الكلية روح التشريع الإسلامى، وتؤكد سماحة هذا الدين الحنيف ووسطيته واعتداله حيث راعى أحوال المكلفين ورفع عنهم الضيق والحرج، ولمَّا كان الأمر كذلك عدَّ علماؤنا (رحمهم الله) هذه القاعدة من أمهات القواعد التى يتفرع عنها كثير من مسائل الفقه.
وتُقرِّر هذه القاعدة أنَّ دين الله يسرٌ، وأنَّ الشريعة الإسلامية تتوخى فى أحكامها رفع الحرج عن الناس، فإذا عرض للمكلف عارضٌ منعه من تنفيذ حكم شرعى، أو حال بينه وبين تحقيقه وجود مشقةٍ أو صعوبةٍ، فإنَّ الشريعة السمحة تُخفِّفه بما يقع تحت قدرة المكلف دون حرجٍ أو ضيقٍ، فالمشقة تصبح سببًا للتخفيف والتيسير.
وحول لفظ النية وتغير الفتوى بتغير تصرف الشخص عن لفظ الشخص، بحيث لو أخذ شخصٌ مالَ آخر على سبيل المزاح بدون إذنه، فبمجرد وقوع الأخذ يكون الآخذ غاصبا، ولا ينظر إلى نيته من كونه لا يقصد الغصب، بل يقصد المزاح؛ وذلك حفاظًا على أموال الناس وعدم العبث بها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة