يوم الثلاثاء الماضى كانت مصر حاضرة وبقوة فى اجتماع مجلس الأمن الدولى المخصصة لإدانة المجلس العسكرى السودانى واتهامه بقتل المدنيين والدعوة للتدخل الدولى لوقف العنف الفورى.
الجلسة جاءت بناء على طلب من بريطانيا أو من طلب منها ذلك. الا أن الصين وروسيا أفشلا المشروع والمخطط واعترضت بكين بشدة على النص المقترح، وطلبت روسيا ضرورة أن ينتظر المجلس ردا من الاتّحاد الإفريقي- أو تحديدا من مصر التى ترأس الاتحاد فى دورته الحالية.
بعد فشل مجلس الأمن فى الجلسة بإدانة للمجلس العسكرى بدأت أبعاد الصورة تتضح، فلم تكن بريطانيا وحدها فى الصورة. كانت هناك 8 دول أوروبية آخرى بالإضافة إلى إسرائيل. وهذه الدول أصدرت بيانا مشتركا "تدين الهجمات العنيفة في السودان من جانب أجهزة الأمن السودانية ضد المدنيين".
فلماذا تقدمت بريطانيا بطلب الإدانة، ولماذا هذا التوقيت بالذات، وماذا كانت تعنى الإدانة لو صدرت من مجلس الأمن؟..
يبدو أن المسألة لا تتعلق بالأوضاع المحتقنة والمرتبكة فى السودان فقط، لكن من تقدم بالطلب ودفع به إلى مجلس الأمن سواء كانت بريطانيا أو غيرها كان - ومازال – يراقب التطورات السياسية فى المنطقة، وخاصة العلاقات المصرية السودانية الليبية فى المرحلة الحالية، والتقارب اللافت بين القاهرة والخرطوم وطرابلس بعد الإطاحة بالبشير ودعم مصر للجيش الليبي الوطنى بقيادة المشير حفتر.
فهذا الثالوث وتحالفه وتقاربه يشكل خطرا على مصالح الكثير من الدول الخارجية والإقليمية التى سعت ومازالت للتدخل والسيطرة فى ليبيا والسودان من جهة، ومحاولة الإضرار بالمصالح القومية المصرية من جانب آخر.
التفسير الأهم فى هذه الجلسة الطارئة لمجلس الأمن فى حالة صدور إدانة رسمية للمجلس العسكرى الحاكم فى السودان هى الضغط عليه لتسليم السلطة "للمدنيين"، وبالتالى زيادة الأوضاع تعقيدا ومزيدا من الفوضى، وقفز جماعات العنف والإرهاب إلى السلطة وفتح الباب أمام مخطط ترحيل الفارين من تنظيم داعش إلى السودان، وتحويلها إلى بؤرة إرهاب جديدة على الحدود المصرية، بعدما نجحت مصر وبصورة مقبولة جدا إلى التنسيق مع الجيش الوطنى الليبى من دحر الإرهابيين على الحدود مع ليبيا، ومحاولة تأمين الحدود بحريا، لمنع تسلل السلاح إلى الميليشيات الإرهابية فى ليبيا.
هذه هى الصورة فى حالة قرار إدانة المجلس العسكرى السوداني الذى كان سيضع أعضاءه أيضا تحت طائلة القانون الدولى، وتهمة ارتكاب جرائم حرب، وإحباط التقارب المصرى السودانى والليبى أيضا.
من هنا يمكن تفسير الصدمة لأصحاب الطلب من الاعتراض الصينى والرد الروسى على مقترح القرار، فالمندوب الروسى فى مجلس الأمن فاسيلي نيبينزيا قال بوضوح: "لا بد من انتظار رأى الاتحاد الأفريقى الذى ترأسه مصر".
وكان الرد بمثابة الصدمة والصفعة لمندوبة بريطانيا كارين بيرس، وهاجت تركيا –كالعادة- بعد أن بدات تفقد نفوذها فى السودان واتهمت مصر باستغلال الاتحاد الأفريقى لصالحها، واتهم مندوب تركيا فى الجلسة فريدون سينيرلى مصر بأنها السبب فى إفشال جلسة مجلس الأمن..!
هذا ما تقوم به مصر الآن بعد استعادة توازنها ودورها المحورى فى المنطقة وبعد التطورات السياسية الجديدة فى السودان وفى ليبيا وفى المنطقة عموما.. ولن تترك دول الجوار ساحة للفوضى أو لبسط نفوذ لدول تعادى الأمن القومى المصرى. والاتهام التركى لمصر كشف اللعبة من وراء الجلسة الطارئة لمجلس الأمن الثلاثاء الماضى.. وهذا ما ينبغى أن يعيه ويدركه الأشقاء فى السودان أيضا وعدم الإنصات إلى أصوات تحاول إفساد العلاقات التاريخية بين البلدين والمواقف المصرية الداعمة لاستقرار السودان وخير الشعب السودانى.