لا أحد ينكر أن منظومة الدعم بشكلها القديم قبل عام 2015 كان بها الكثير من التشوهات، حيث كانت توجه قرابة 125 مليار جنيه لدعم الوقود، على حسابات قطاعات أخرى هامة جدا سواء الصحة أو التعليم أو ملف الحماية الاجتماعية، الأمر الذى يجعلنا نطرح عدة تساؤلات عقب اتجاه الدولة لتحسين وعلاج هذا الخلل فى منظومة الدعم، والذى كان يضيع ويحترق فى سيارات الأغنياء، وأصحاب المنازل الفاخرة.
ولعل من أبرز الأسئلة الشائكة في ملف الدعم، هل توجيه أموال الموازنة لتحترق فى سيارات الأغنياء الأفضل أم زيادة مخصصات التعليم والصحة والسلع والخبز، وكيف يرى أهل الاقتصاد استمرار توجيه المليارات للفئات الأقل احتياجا..كيف تعامل برنامج الإصلاح مع خلل عجز الموازنة بسبب الدعم، وهو ما نسعى للإجابة عليه فى السطور القادمة.
بالنظر إلى مخصصات دعم الوقود فى الموازنة عام2015، والتى كانت تسجل قرابة 125 مليار جنيه كانت موزعة ما بين 37% كدعم للبنزين 90 و80 وحوالى 43% دعما على سلعة السولار وحوالى 62% دعما لأسطوانة البوتاجاز، جزء كبير من فروق أسعار هذه المنتجات كان يذهب إلى جيوب التجار، خاصة ما يتعلق بأسطوانة البوتاجاز، وجزء الأكبر من الدعم للمحروقات كان يذهب إلى أصحاب السيارات، وهنا لا توجد تفرقة بين سيارات فوق 2000 سي سى وسيارات أقل فى الموديل، حيث كان يتم حرق أموال الدعم لوقود هذه السيارات.
وتستهلك مصر شهريا قرابة 7.1 مليون طن مواد بترولية ننتج منها 4.5 مليون طن والـ2.6 مليون طن عجز شهرى نقوم باستيرادهم من الخارج بفاتورة تكلفة سنوية حوالى مليار و200 مليون دولار، بحسب احصاءات 2018، الأمر الذى يجعل من هذا الرقم مكلف جدا للموازنة العامة، فى ظل توجه كبير للدولة للحد من استنزاف العملة الصعبة، ومع تعديل فاتورة دعم الوقود والتى تم تقليصها إلى 89 مليار جنيه، جميع هذه المبالغ كانت على حساب مخصصات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية.
ومع إدراك الحكومة أهمية تقليص مخصصات دعم الوقود، فقد تم خفضها لصالح دعم السلع التموينية والخبز، والذى تم تخصيص 89 مليار جنيه فى موازنة العام الحالى والذى يبدأ اليوم 1 يونيو 2019، مقابل 86 مليار العام المالى الماضى بزيادة 3 مليار جنيه، هذه الزيادات لم تكن لتأتى لولا تقليص دعم المواد البترولية إلى 52 مليار و 963 مليون جنيه بالموازنة الحالية، إضافة إلى أن تخصيص قرابة 60 مليار جنيه لقرارات الرئيس عبد الفتاح السيسى والخاصة بزيادة الحد الأدنى للرواتب لتسجل ألفى جنيه بدلا من 1200 جنيه، إضافة إلى زيادة المعاشات إلى 900 جنيه، واقرار علاوات للموظفين، فجميع هذه القرارات والنجاحات لم تكن لتتحقق لولا إعادة النظر فى منظومة الدعم.
علاج تشوهات منظومة الدعم يهدف فى المقام الأول للوصول إلى الفئات الأكثر احتياجا وعدم توجيه الدعم للأغنياء، فالموازنة الجديدة تشهد تقديم منح ومزايا اجتماعية تسجل نحو 327 مليار و699 مليون جنيه، منها م يتعلق ببرامج الحماية الاجتماعية ودعم الأسر الأكثر احتياجا، وعلى رأسها برنامج تكافل وكرامة، إضافة إلى رعاية المرأة المعيلة وغيرها من برامج حماية الفقراء.
ولأول مرة تشهد الموازنة العامة المصرية، زيادة مخصصات التعليم والصحة في الموازنة الجديدة 2019 / 2020 بنسبة 8.4% ليصل إجمالي المخصصات إلى 192.1 مليار جنيه مقابل نحو 177.2 مليار جنيه في الموازنة الحالية بزيادة تبلغ نحو 14.9 مليار جنيه، وتكشف الأرقام أنه جرى زيادة الاعتمادات المالية لقطاع التعليم إلى 69.6 مليار جنيه، بارتفاع قدره حوالي 8 مليارات جنيه عن العام المالي الحالي بنسبة زيادة تتجاوز نحو 13%.
كما جرى تخصيص نحو 122.5 مليار جنيه لقطاع الصحة، مقابل نحو 115.6 مليار جنيه في العام المالي الحالي بزيادة 6.9 مليار جنيه تمثل نسبة زيادة تبلغ نحو 6%، والسؤال هنا من أين تم زيادة مخصصات هذه القطاعات وهى الأكثر احتياجا، والإجابة هنا ترتبط بإعادة النظر فى منظومة الدعم وضبطها بما يتناسب مع احتياجات القطاعات الاقتصادية المختلفة.
وأخيرا، كيف يرى أهل الاقتصاد والتخصص ملف الدعم فى مصر؟، الجميع يرى أن ملف الدعم كان به مشكلات عدة لعل أبرزها أن جزء كبير منه لم يكن يصل إلى مستحقيه، إضافة إلى تخصيص جزء كبير فى السابق لدعم الوقود على حساب القطاعات الأخرى الأكثر أهمية مثل الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية ومشروعات البنية التحتية، مؤكدين أن التعامل مع الخلل فى منظومة الدعم سيجعل الميزانية المصرية أفضل ويوجه أموال الموازنة فى مسارها الصحيح.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة