فى سفر الخروج الإصحاح الثانى يقول نصا: «وَلَمَّا فَتَحَتْهُ رَأَتِ الْوَلَدَ، وَإِذَا هُوَ صَبِيٌّ يَبْكِى.. فَرَقَّتْ لَهُ وَقَالَتْ: «هذَا مِنْ أَوْلاَدِ الْعِبْرَانِيِّينَ».. وهنا يقصد أن هذا الحديث ورد على لسان زوجة فرعون، عندما وجدت الصندوق الذى يحمل الطفل «موسى».. والتأكيد على أن الشكل والسحنة العبرانية كانت لها خصائصها المختلفة على الشكل والسحنة المصرية..!!
والقرآن الكريم فى سورة القصص يقول المولى عز وجل: «وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِى وَلا تَحْزَنِى إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ».. كما قال فى نفس السورة: «وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِى وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ».
إذن سيدنا موسى عليه السلام، ولد فى مصر، وتربى وعاش فى مصر، وتلقى الرسالة فى مصر، بدليل أنه ذهب بصحبة أخيه هارون إلى الفرعون وقالا له ما أُمرا به «إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ. أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ».. وقال أيضا المولى عز وجل فى نفس السورة: «قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ، وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِى فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ، قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ، فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّى حُكْمًا وَجَعَلَنِى مِنَ الْمُرْسَلِينَ. وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَىَ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِى إِسْرَائِيلَ».
ثم تستمر القصة حتى طاردهم الفرعون بجيشه، والحادث الجلل الذى انتهت إليه المطاردة بغرق الفرعون وجيشه الجرار، وأن خسف الله الأرض بقارون أيضا.. إذن الرسالة هبطت وحسب السياق على سيدنا موسى فى مصر، فلماذا لم تكتب التوراة باللغة المصرية القديمة السائدة حينها، وكانت تكتب بخطوطها الثلاث «الهيروغليفية والهيراطيقية والديموطيقية»..؟!
الحقيقة أن هناك أبحاثا وأراء لبعض خبراء الآثار والتاريخ، وأيضا من المهتمين بشأن الحضارات القديمة وعلم الأديان، حاولت أن تؤكد أن التوراة فى بداية هبوط الرسالة على سيدنا موسى كتبت بالهيروغليفية، وهى اجتهادات لا يوجد دليل علمى واحد يؤكدها، سواء وثيقة من أوراق البردى، أو نقش مدون على جدران معبد من المعابد أو أى شاهد آثرى..!!
وهناك من يؤكد أن هبوط الرسالة على بنى إسرائيل، والمتمثلين فى الهكسوس المحتلين لمصر ويتخذون من أواريس عاصمة لملكهم، ومكانها حاليا محافظة الشرقية، كانوا يتحدثون الأرامية أو العبرانية، وهى أيضا اجتهادات نظرية لا تدعمها أى أدلة علمية سواء وثائق أو شواهد أثرية، بل العكس، فإن التاريخ المصرى يؤكد أن الهكسوس عندما احتلوا مصر، حاولوا التقرب بشدة من المصريين، عن طريق التحدث باللغة المصرية القديمة، والكتابة بخطوطها، وعلى رأسها «الهيروغليفية»، كما تقربوا لآلهة المصريين واتخذوا منها آلهة لهم، ومن ثم يجيدون اللغة المصرية القديمة، ولو التوراة كتبت بالهيروغليقية، لكان أمرا مقبولا.
لكن الأخطر ما يردده اليهود أنفسهم، من أن التدوين لم يُعرف تاريخيا إلا على أيدى بنى إسرائيل، وأنهم أول من دونوا التوراة، والروايات التاريخية، وهو محض افتراء شديد، لأن المصريين القدماء توصلوا للتدوين قبل هبوط التوراة بأكثر من ألفين سنة، وتحديدا منذ بدء عصر الأسرات، والدليل ما تم تدوينه من نقوش على جدران المعابد والمقابر، والمسلات والتماثيل، وغيرها من الشواهد الآثرية، والوثائق سواء المدونة على ورق البردى أو الأحجار.
إذن يبقى السؤال الملح والمهم، الذى يبحث عن إجابة، ولا يوجد إجابة قاطعة تؤكد أن التوراة كتبت باللغة المصرية القديمة «الهيروغليفية» أو بالعبرية أو الأرامية، مع الوضع فى الاعتبار أن هناك أدلة آثرية قاطعة تؤكد أن التوراة اقتبست كثيرا من النصوص الأدبية المصرية المكتوبة بالخط الهيروغليفى، وسنكشفها فى المقال المقبل إن شاء الله.
وللحديث بقية إن شاء الله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة