ما نعلمه عن موقع "روسيا اليوم" باللغة العربية، أنه أحد المواقع التابعة لشبكة أخبارية تلفزيونية عالمية متعددة اللغات تمولها الحكومة الروسية، ومقرها في موسكو وتديرها وكالة أنباء نوفوستي.. أذن التوصيف الرسمى لهذا الموقع أنه إعلام حكومى ممول من الحكومة الروسية، وهو ما يستتبع أن يكون هذا الموقع متحدثاً ومُنفذاً لسياسيات روسيا، لكن للأسف الشديد ومن واقع المتابعة اليومية لما ينشر على هذا الموقع تحديداً من أخبار وتقارير تخص مصر والشأن المصرى نرى الكثير من الخروج عن النسق الإعلامى الذى من المفترض أن تتمتع به وسيلة إعلامية، أولاً تابعة للحكومة الروسية، وثانياً، لها كل هذا الحضور الإعلامى الدولى.
حالة من الاستغراب الشديد تنتاب المتابع اليومى لما ينشره موقع "روسيا اليوم" باللغة العربية عن مصر، فالكثير مما ينشر أما يكون يكون منسوباً لمصادر مجهلة، أو نقلاً عن مواقع التواصل الإجتماعى، أو مواقع تدعى أنها أخبارية، فى حين أنها لا تتمتع بأى مصداقية أو مهنية، لكن للأسف الشديد نجد لها تمثيلاً وحضوراً فقط على بوابة روسيا اليوم، التى تعطى هذه المواقع صك المصداقية، رغم أنها بعيدة تماماً عن هذه الصفة، والأغرب حينما نطالع تقارير منشورة على الموقع تمس الأمن القومى المصرى ومعتمدة على تقارير مسربة وخاطئة مصدرها الأساسى دوائر إخوانية أستطاعت أن تنصب الفخ للموقع الروسى والقائمين على إدارته التحريرية، وللأسف الشديد كثيراً ما وقع "روسيا اليوم" فى الفخ الإخوانى.
بطبيعة الحال من حق أى موقع أخبارى أو وسيلة إعلامية أن تحدد سياستها التحريرية وفق ما تراه فى صالحها، لكن حينما نتحدث عن إعلام حكومى وممول من دولة "صديقة" فهنا الأمر يحتاج إلى إعادة قراءة للمشهد، أخذاً فى الأعتبار أن هدفنا ليس تكميم هذه الوسيلة الإعلامية أو تحييدها، لكن تبيان الخط الفاصل بين توجهات هذه الوسيلة والدولة أو الحكومة التى تمولها، وهو ما دفعنى للكتابة عن "روسيا اليوم"، فهو موقع كبير ويتبع مؤسسة كبرى ومملوك لدولة كبيرة وصديقة أيضاً، لذلك فحينما يتناول قضايا داخلية لدولة معينة عليه أولاً أن يتحرى الصدق والمصداقية، وثانياً أن يراعى فى تغطيته لسياسة الدولة التى تموله، وهى روسيا، وإذا ما طبقنا القاعدتين على "روسيا اليوم" وتقاريره عن مصر سنجد أنه من حقنا أن نتسأل لمصلحة من يحدث ذلك، وما هى علاقة الحكومة الروسية بما يكتب على الموقع الممول منها، وهل هو يعبر عن سياستها أم خرج عن طوعها؟.
أسئلة كثيرة سببها ما ينشره موقع "روسيا اليوم" بشأن مصر ويثير البلبلة، وحتى أكون أكثر وضوحاً، فعلى المستوى الشخصى أحترم موقع "روسيا اليوم"، كما أحترم روسيا وسياساتها الخارجية حتى وأن كانت هناك بعض التحفظات، لكن فى النهاية نحن نتعامل مع دولة كبرى لها مصالحها فى منطقة الشرق الأوسط، وتعبر عن هذه المصالح بالكثير من الوسائل والآليات، ومن بينها "روسيا اليوم"، لذلك من الطبيعى حينما أرى جنوحاً من جانب الموقع عن الحيادية والمصداقية فى التناول الإخبارى عن مصر، أن أتسأل لمصلحة من يحدث ذلك؟.
الأمثلة كثيرة لتوجهات الموقع الغريبة تجاه مصر وأمنها القومى وسيادتها على أراضيها، ويكفى هنا أن أشير فقط إلى الاستطلاع المشبوه الذى طرحه "روسيا اليوم" قبل عام تقريباً عن سيادة منطقة "حلايب وشلاتين"، وهو تدخل لم يكن مقبولاً من الموقع فى سيادة مصر على أراضيها، وللأسف الشديد رغم المخاطبات الرسمية المصرية مع المسئولين عن إدارة الموقع لتوضيح الخطأ الفادح الذى وقعوا فيه، لكنهم لم يتراجعوا، وكأنهم فى تحدى مع دولة كبيرة مثل مصر.
هذا المثال وغيره كثير، يجعلنى أطرح التساؤل الذى يدور فى عقولنا جميعاً كمصريين.. هل هذا الموقع يلعب مع مصر لعبة التصيد والابتزاز أيضاً التى يمارسها الإعلام الغربى الممول من جهات أخرى نعلم جميعاً توجهاتها ضد مصر؟.. شخصياً أستبعد أن يكون الموقع يدار بهذه العقلية، لأنه ينتمى لمؤسسة ودولة محترمة نكن لها جميعاً بالاحترام، سواء على المستوى الشعبى أو الرسمى، لكن ملاحظاتنا على أداء الموقع تجاه مصر تستوجب توضيحاً من القائمين على الموقع، خاصة أننا لا نتحدث عن مجرد هفوات إعلامية، وإنما تقارير تبدو لمن يطالعها أن الموقع يتخذ موقف معادى لمصر.
بالتأكيد أستبعد أن يكون ما يحدث فى الموقع هو توجه للدولة الروسية تجاه مصر، لكنه يثير الكثير من التساؤلات حول توجه القائمين على الإدارة التحريرية للموقع، ومن يدير موقع روسيا اليوم وما هو هدفه، وهل الإدارة الروسية تعلم ما يدور فى الموقع، وهل توافق على ما يحدث، وهل يمضى فريق التحرير فى دعم مصر واستقراراها أسوة بموقف الدولة الروسية، أم سيواصل السير عكس اتجاهات الدولة الروسية، وهل مارجريتا سيمونيان، رئيسة شبكة قنوات "روسيا اليوم" RT الناطقة باللغات المختلفة تعلم ما يدار فى القسم العربى؟.. أسئلة كثيرة أنتظر الإجابة عليها أولاً من الحكومة الروسية ممثلة فى وزارة الخارجية بأعتبارها المسئولة مباشرة عن الإعلام الروسى الرسمى، وأيضاً من القائمين على الإدارة التحريرية للموقع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة