بينما يفترض أن يكون نتائج الثانوية العامة نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة، فإن العكس هو الذى يجرى فلا تبدو الثانوية العامة نهاية ولا بداية، لكنها تبقى جزءا من منظومة معقدة تقوم على التوتر والقلق، فلا التلميذ الحاصل على مجموع كبير يرتاح، ويبدأ فى اكتشاف مستقبله، ولا زميله صاحب المجموع الضعيف يرتاح أو يرى مستقبله بشكل طبيعى. لكنها حالة من الجرى واللهاث، وسباق بلا هدف واضح كل الأطراف تعيش قلقا وتوترا و«تلبكا» اجتماعيا وإنسانيا وأسريا.
مأساة أن يظل التلميذ وأهله فى صراع وحرب، ويختصر الحاضر والمستقبل فى ثمانية شهور، آلام فى الاختيار بين العلمى والأدبى، ومعاناة فى الدروس الخصوصية، ورعب قبل الامتحانات، وقلق فى انتظارالنتيجة. ثم مرحلة من الحزن والغضب والارتباك ترافق عملية اختيار الرغبات، حيث يقود المجموع وليس الرغبات أو الهوايات عملية تحديد الاختيارات.
قد تكون هناك نسبة تعرف ما تريد، لكن الأغلبية تنساق وراء رغبات الأهل إلى كليات ربما لا تكون ضمن اختياراتهم، أو هواياتهم، وخلال عقود كان خريجو كليات المسماة قمة يعانون من بطالة أو ينتهى بهم المطاف فى وظائف لا يحبونها ولا ترضى حاجاتهم المادية والمعنوية، فيواصلون حياتهم بالقصور الذاتى، إذا حصل التلميذ على مجموع كبير عليه أن يخضع لرغبات أهله فى دخول كلية ربما لا يكون راغبا فيها ولا متناغما معها، وتنتهى حياته بالفشل أو التعثر، وقد تكون لديه رغبة أن يكون فى مكان آخر ومهنة أخرى.
سوق العمل لا علاقة له بأعداد وتخصصات الخريجين، ولعل التقسيم القديم للقمة والقاع فى الكليات أو التفرقة بين الفنيين وأصحاب المؤهلات العليا، هو الذى خلق تقسيما لا علاقة له بالنتيجة وطبيعة العمل، فالمثل الأعلى قد يكون عالما أو لاعب كرة، طبيبا أو مهندسا أو معلما، بينما المكاسب ترتبط أكثر بأهم حاجات الإنسان، الطعام والملابس والفسح والترفيه، فعليا كل مهنة فى العالم مهمة، وكل شخص مهيأ للقيام بدور ما، لكن ما نراه بعيدا عن كل هذا.
كل هذه التفاصيل نعرفها، ونراها ونتجاهلها ونسير فى طريق يرسمه السياق العام، والنتيجة معروفة وواضحة، وندور ونلف حولها، والسبب نظام تعليمى قائم على تراكمات عقود، يتجاهل المجتمع وسوق العمل، وتغيب فيه الاختيارات لصالح الإجبار.
ربما يكون إنهاء آلام الثانوية العامة، بداية الخروج من واقع تعليمى شكلى إلى حقيقة تقود إلى مستقبل أفضل، وأن تكون الثانوية العامة مناسبة ليفرح التلاميذ وأهاليهم بنتيجة التعب والسعى والفهم والمذاكرة. ينظرون للمستقبل فى تفاؤل، وينتهى شعور حزن والخوف، كأن التلميذ وأهله فى مآتم متواصل وخوف ورعب من حصل على مجموع كبير يريد أكبر ومن حصل علبى مجموع ضعيف، أيضا يريد أكبر، لإرضاء آخرين وليس لإرضاء نفسه وطموحه، ويظل طوال الوقت خائفا من «بعبع» لا يعرف له ملامح.